الجمعة 27 يونيو 2025 م - 2 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

نزع فتيل الأزمات

نزع فتيل الأزمات
الأربعاء - 25 يونيو 2025 05:18 م

جودة مرسي

160

يمرُّ الشَّرق الأوسط بالعديد من الأزمات منذُ توجَّهتْ إِلَيْه أطماع الدوَل الاستعماريَّة واشتدَّتْ هذه الأزمات مع احتلال الأراضي الفلسطينيَّة، ودخلتِ المنطقة في العديد من الصِّراعات والحروب، ولم يخطرْ ببال أحَد من الدوَل الكبرى أو المؤسَّسات الدوليَّة إلى الالتفات إلى وضع حلٍّ ناجز لحلِّ تلك الأزمات ونزع فتيل إشعالها بسبب المصالح المتشابكة في المنطقة، ونزع فتيل الأزمات للمنطقة ليس بالعمليَّة البسيطة، بل هو شديد التَّعقيد ولكنَّه ليس مستحيلًا، ويتطلب استراتيجيَّة متكاملة متعدِّدة المستويات تشمل الأبعاد المحليَّة والإقليميَّة والدوليَّة، الَّتي تضع الأُسُس السِّياسيَّة والدبلوماسيَّة بديلًا استراتيجيًّا عن الحلِّ العسكري، عن طريق إطلاق حوارات إقليميَّة تشمل الوطن العربي وتركيا والكيان المحتل (إسرائيل)، على غرار مؤتمر هلسنكي الَّذي عُقد في السبعينيَّات، مع احتواء التَّدخُّلات الخارجيَّة وتقليصها مِثل التَّنافس على مَن يمتلك القوى المطلقة في المنطقة، أو السَّعي لعملِ تحالفات من أجْلِ مصالح بعيدة عن مصالح دوَل المنطقة، ممَّا يُسهم بقدر معقول في التَّوازن الإقليمي يساعد في وجود أوَّلًا الحل الشَّامل للقضيَّة الفلسطينيَّة وإيقاف نزيف الدَّم بسبب الاعتداءات الَّتي يَقُوم بها جيش الاحتلال، ثمَّ يأتي بعد ذلك المشاريع المشتركة مثل الرَّبط الكهربائي والغاز والصِّناعات البيئيَّة المفيدة المشتركة. ويأتي دَوْر التَّنمية الاقتصاديَّة من الأهميَّة حيثُ يُمكِنها المساعدة لتحسين الأوضاع المعيشيَّة لدوَل المنطقة وتحقيق العدالة الاجتماعيَّة وتقريب الفوارق الاجتماعيَّة، ويتمثل ذلك في الشَّراكات الصِّناعيَّة والزِّراعيَّة، ويتَّخذ نموذج دوَل مجلس التَّعاون الخليجي كنموذج أمثل لهذا التَّعاون، ويأتي تزامنًا مع هذه التَّنمية العنصر الأكثر أهميَّة وهو محاربة الطائفيَّة والبُعد عن كُلِّ ما يُغذِّيها ويدفع إلى جعلها حاضنة لِمَن يُريد أن يفسدَ على المُجتمعات تلاحمها وتعاونها وسُبل التَّنمية لدَيْها مع نشرِ خِطاب التَّسامح بَيْنَ الأديان، مع إيقاف التَّحريض الإعلامي من بعض القوى الاستعماريَّة، ونشرِ ثقافة السَّلام والتَّعايش من خلال المناهج الدراسيَّة والإعلام الدِّيني لكُلِّ الرِّسالات السَّماويَّة، دُونَ تطرُّف أو عصبيَّة. كُلُّ هذه العناصر يُمكِن التَّوصُّل إِلَيْها لو خلصتِ النيَّات وبعدْنا عن قوى الشَّر الَّتي لا تريد للمنطقة إلَّا أن تكُونَ مجرَّد سُوق لها، والاستفادة من مُكوِّناتها الطَّبيعيَّة وثرواتها المعدنيَّة، والَّتي كان مِنْها سنوات طوال تحت نيران الاستعمار. إنَّ دوَل الشَّرق الأوسط وفي القلب مِنْه الوطن العربي يُمكِنها تغيير ملامح المنطقة وجعلها نافذة مستقبليَّة للعيش الآمن، شريطة المرور الفعلي على هذه النّقاط والحل الفوري والجدِّي للقضيَّة الفلسطينيَّة، وإنهاء معاناة الشَّعب الفلسطيني، على أن يكُونَ هناك عيش دائم ومستقر في سلام مع كُلِّ أطياف شعوب المنطقة دُونَ الولوج إلى الصِّراعات السِّياسيَّة والعسكريَّة السَّابقة؛ لأنَّ الحديث عَنْها وجلبها إلى طاولة النّقاش يُغذِّي نيران الصِّراعات، ونحن على يقين بأنَّ شعوب المنطقة تحلم براية سلام تلفُّ كُلَّ الشُّعوب لِتنعمَ بالأمن والاستقرار وتتجاوز صراعات البقاء للأقوى؛ لأنَّه على مدار تلك السَّنوات لم يكُنْ هناك منتصر أو نصف منتصر لأنَّ الكُلَّ ذاق مرارة العدوان وإن تفاوتتِ الانكسارات. إنَّ الدِّيانات السَّماويَّة الثَّلاث تدعو إلى السَّلام وتنبذ الاقتتال، فهل تكُونُ المؤسَّسات الدّوليَّة لدَيْها من الحنكة ما يُعِيدها إلى دَوْرها الرَّئيس في نزع فتيل الأزمات لِتخلوَ المنطقة من تلك الصِّراعات؟ نأمل أن يأتيَ يوم تصفر فيه الصِّراعات.

جودة مرسي

[email protected]

من أسرة تحرير «الوطن»