الأربعاء 25 يونيو 2025 م - 29 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

سميحة أيوب كما عرفتها «6» .. مقبرة مصرية

سميحة أيوب كما عرفتها «6» .. مقبرة مصرية
الاثنين - 23 يونيو 2025 07:03 م
70

ذكرياتي مع الراحلة سميحة أيوب، الصديقة والإنسانة، ذكريات لا حصر لها، وجميعها محفورة بداخلي، يمكنني الكتابة عنها مجلدات، لكن واقعة رحيل ابنها محمود سرحان بصفة خاصة، محفورة في ذاكرتي بشكل مختلف. في بدايات شهر يوليو من عام 2010م، كنت بمعية صديقتي الدكتورة خلود، نقضي أسبوعًا صيفيًا بجزيرة زنجبار، بتنزانيا، وأثناء وجودنا هناك، وفي إحدى الليالي، رأيت في منامي أنني مع الفنانة سميحة أيوب بإحدى المقابر في مصر. كانت المقبرة على ذات الشكل المعروف للمقابر في مصر، غرفة تحت الأرض يُنزل إليها بسلم أو درك. رأيت ذاتي في المنام أنزل السلم، ماسكة بقبضة الفنانة سميحة أيوب التي كانت مرتدية بدلة أنيقة جدًا مكونة من تنورة ومعطف. كنتُ أنا في المقدمة، أنزل السلم، أمسك بقبضتها، وهي تتبعني ماسكة بقبضتي. كانت الرؤية واضحة جدًا بكل مفرداتها، البدلة التي كانت ترتديها سميحة، والسلم الذي كنا ننزله بجداره، فضلًا عن أرضية الغرفة المتربة التي رأيتها واضحة أمامي في الأسفل مع نهاية السلم. وكأن هناك كشافًا من النور كان يضرب على السلم والغرفة. كانت الساعة حوالي الثانية والنصف بعد منتصف الليل، حين استيقظت من الرؤية، مفزوعة. شعرتْ بي صديقتي التي كانت نائمة بجواري على السرير ذاته لتسألني: (مالك في إيه؟). حكيت لها باختصار ما رأيته في المنام، لم يكن تعليقها سوى: (استعيذي بالله ونامي يا آسية، مقبرة إيه اللي مصرية ومش مصرية؟ كلها مقابر وخلاص). عجزت عن مواصلة نومي، وظلت الرؤية عالقة في ذهني تؤرقني طوال الوقت، حتى بعد عودتي إلى القاهرة من زنجبار. وحين ذهبت إلى سميحة على الغداء كعادتي معها بعد وصولي من كل سفرية، حكيتُ لها ونحن على طاولة الطعام عن منامي، ومازحتها بقولي: حتى في المقابر يا سميحة، وأنت في قمة أناقتك. ثم واصلتُ كلامي بسؤالي: بعيدًا عن المزاح، يا سميحة، تُرى ما هو تفسيرك لهذه الرؤية؟ فقالت: (تفسيري واحد فقط، إن الموت حق علينا جميعًا، وكلي بقى الكفتة اللي بتحبيها وهي سخنة، قبل ما تبرد، أنا عملاها لك بنفسي). بعد مقابلتي لسميحة أيوب بحوالي يومين، فوجئت بهاتفي الأرضي بشقة أهلي بحي جاردن سيتي يرن. كان الوقت الرابعة والنصف عصرًا، أتذكر التوقيت جيدًا لأنني كنت على وشك مواصلة الكتابة في موضوع كنت قد بدأت فيه. قالت لي سميحة: بأنها تلقت اتصالاً من مستشفى بأميركا، وأن كل ما فهمته أن ابنها محمود في ذمة الله، وأنه كان قد ترك رقم هاتفها بالمستشفى، وأوضح لهم أن والدته فنانة معروفة، ففي حالة حدوث أي شيء له، يتصلون بها. طلبت مني سميحة الاتصال بالرقم الظاهر عندها للتأكد مما فهمته. خاصة وأن إنجليزيتها ليست بذات قوة لغتها الفرنسية، وعلى حد قولها (وكمان الأمريكان بيكلوا الكلام لما بيتكلموا). سألتُ عن الدكتور علاء ابنها، فعرفتُ أنه كان في الإسكندرية حينئذ، وأنها لم تستطع الوصول إليه هاتفيًا حتى تلك اللحظة. هاتفت الرقم الذي أملته عليَّ سميحة للتأكد مما قالته لي، وبعد تيقني لم أتصل بها، بل ذهبت إليها مباشرة. ومن المفارقات التي أتذكرها جيدًا في ذلك اليوم أن الشوارع كان بها سيولة مرورية على غير العادة في الازدحام، إلى درجة أنني قطعت المسافة بسيارتي من جاردن سيتي إلى الزمالك في زمن قياسي لم يتجاوز ربع ساعة. رأيت سميحة في قمة صبرها وتماسكها ، وكل ما قالته لي :أنها لم تقل لأي شخص عن الموضوع حتى المقربين إليها، وأكدت لي أنها في غنى عن أي ضجة إعلامية، وأن كل الذي تريده هو أن تدعي لابنها في هدوء وسكينة حتى وصول جثمانه، وأكدت عليَّ حينئذ ألا أكتب عن الموضوع في أية صحيفة عُمانية. لم أعلق سوى بقولي: طبعًا يا سميحة من غير تأكيد، لكن عندي سؤال، أنت شخصية معروفة ومحمود ابنك أبوه فنان معروف، فهل موضوع حجب الوفاة عن الاعلام سيكون سهلاً ؟ خاصة إذا ما اقتضي أمر تسفير الجثمان التواصل مع السفارة المصرية في أميركا . فأجابت باقتضاب : (معرفش حيكون إزاي ؟ بس أنا حقول لعلاء ابني، وهو يبقى يتصرف بطريقته، أهو عرف خلاص وفي طريقه جاي من اسكندرية) وبالفعل لم يتم الإعلان عن الوفاة إلا فيما بعد. استغرق الجثمان ما يقرب من 17 يومًا حتى وصوله القاهرة، وفي يوم الاثنين الموافق 2 أغسطس 2010، اتصلت بي سميحة صباحًا، لتبلغني بوصول الجثمان، وأن صلاة الجنازة ستكون بمسجد السيدة نفيسة، وأننا سنجتمع بالزمالك على الساعة 2 ظهرًا. وبالفعل، تركت سيارتي بالزمالك وركبت معها في السيارة إلى المسجد، حيث تمت صلاة الجنازة بعد صلاة العصر، والتي اقتصرت على مجموعة محدودة جدًا من أفراد أسرتها. ذهبنا جميعًا بعد ذلك إلى مقابر السيدة نفيسة، التي لم تكن بعيدة عن المسجد وشارع صلاح سالم. في طريقنا إلى العودة قالت لي سميحة أيوب ونحن في السيارة:(أهو، الحلم اتفسر وكنا مع بعض في المقابر).. في يوم الأربعاء الموافق 11 يونيو 2025، هاتفتُ الدكتور:علاء محمود مرسي، كي أعزيه في والدته الفنانة سميحة أيوب (رحمة الله عليها) التي رحلت عن عالمنا بتاريخ 3 يونيو، فعلمتُ منه أنها دفنت في مقبرة جديدة تم شراؤها بمدينة 6 أكتوبر، إذ أن مقبرة السيدة نفيسة تم إزالتها مع بقية المقابر التي أُزيلت مع تطوير المنطقة وتطوير شارع صلاح سالم.

سميحة أيوب كما عرفتها «6» .. مقبرة مصرية
سميحة أيوب كما عرفتها «6» .. مقبرة مصرية