الأربعاء 25 يونيو 2025 م - 29 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

المقامر الذي يزرع الإشعاع ويصنع الفوضى

المقامر الذي يزرع الإشعاع ويصنع الفوضى
الاثنين - 23 يونيو 2025 05:12 م

إبراهيم بدوي

20

دَوْر أميركا في إشعال المنطقة لا يحتاج إلى توثيق جديد، لكن ما فعلَه رئيسها دونالد ترامب من قصفٍ مباشر للمنشآت النوويَّة الإيرانيَّة يفتح أبوابًا أخرى من الجحيم، فالضَّربة العسكريَّة تُشكِّل مخاطرة بحدوث تسريب نووي قد يلوِّث بيئة الخليج والمنطقة لِعُقودٍ قادمة، وسندفع نحن ثَمَنه مرارًا وتكرارًا. المُذهل في هذا العدوان أنَّ كثيرًا من المُقرَّبِينَ من ترامب رفضوه، لكنَّه أصرَّ، كأنَّ لدَيْه هوسًا بتفجير الخرائط، واعتراضي على القصف الأميركي ومن قَبله العدوان الصُّهيوني لا علاقة له بتأييد إيران أو برنامجها. المسألة أعمق من ذلك؛ إنَّها تتعلق بمبدأ السِّيادة، وبالكرامة الوطنيَّة، وبحقِّ أيِّ دَولة في أن لا تكُونَ ملعبًا مستباحًا لإرهاب الدوَل العظمى، وهنا يَجِبُ أن نتساءلَ حَوْلَ مَن أعطَى ترامب ونتنياهو حقَّ التَّصرُّف في مصائر الشُّعوب؟ وبأيِّ منطق يتحدثون عن (مخاوف نوويَّة) وهم أوَّل مَن يمتلك ترسانات تفني الكوكب؟ هذا هو جوهر المأساة فهي بلطجة صهيوـ أميركيَّة، تضرب بكُلِّ شيء في مقتل، الأخلاق، والمساواة، ومستقبل هذا الكوكب. أدركُ أنَّ الحديث عن الأخلاق لا يعني شيئًا عِندَ واشنطن أو عِندَ حليفتها الصُّهيونيَّة، فكلاهما صاحب تاريخ أسْوَد لا يتَّسع له المقال، من سرقة الأرض إلى إبادة أصحابها، من مذابح الهنود الحمر إلى جرائم فلسطين المتواصلة، وما يحدُث اليوم في غزَّة ليس استثناءً، بل استمرار لسلسلة طويلة من الفظائع الَّتي لا تجد مَن يردعها.. ترامب ونتنياهو لا يَقُودان المنطقة نَحْوَ تسوية، بل نَحْوَ فوضى شبيهة بما فعلَه هتلر قَبل الحرب العالَميَّة الثَّانية، حين أشعلَ أوروبا بحلمٍ شخصي مريض كلَّف العالَم (٢٠٪) من سكَّانه. والسُّؤال الَّذي يفرض نَفْسه هنا، ماذا لو تكرر هذا السِّيناريو في منطقة مشبَّعة بالسِّلاح والنِّفط والأحقاد؟ إنَّنا أمام فصل جديد من العبث، تُحرق فيه كُلُّ القوانين، وتُمنح فيه أدوات القتل غطاءً سياسيًّا وإعلاميًّا، ثمَّ يُقال لنَا تصرَّفوا بعقلانيَّة، عن أي عقلانيَّة يتحدثون وسط هذا البثِّ؟ والحقيقة المجرَّدة هي أنَّ مَن يملك القوَّة يفعل ما يريد، دُونَ مساءلة، وهذه ليسَتْ سياسة، بل جريمة موَثَّقة. أقول ذلك اليوم لا تحذيرًا لأميركا، بل نداء لباقي دوَل المنطقة والعالَم، فالاعتداء على إيران إن لم يواجهْ بموقفٍ واضح، فلن يكُونَ الأخير، ولن يقتصرَ على طهران، نحن نعرف جيِّدًا أنَّ الكيان الصُّهيوني لا يتوقف عِندَ حدود، وأنَّه أعدَّ طابورًا طويلًا للدوَل الَّتي يراها تُهدِّد مشروعه (من النِّيل إلى الفرات)، وترامب مجرَّد أداة تسهيل لهذه الخطَّة، قد نختلف مع إيران، وقد ننتقد تحالفاتها، لكن هل فكَّرنا حقًّا من التَّالي في قائمة الاستهداف؟ من سيدفع الفاتورة؟ من سيقتل؟ هل يعتقد أحَد أنَّ الصَّمْتَ سيجعلهم يتوقفون؟ إنَّها مرحلة جديدة ترسم فيها خرائط الدَّم، وأيُّ تراخٍ في إدراك أبعادها هو تفريط في وجودنا ذاته، هذه ليسَتْ نظريَّة مؤامرة، بل وقائع على الأرض، تَسير خطوة بخطوة نَحْوَ إعادة تشكيل المنطقة بطريقة لا مكان فيها لأحَد، إلَّا من خضع أو اندثر. نحن الآن أمام لحظة فارقة في التَّاريخ، لحظة لا تتعلق بالحكومات وحْدَها، بل بالرَّأي العام العربي والعالَمي، بكُلِّ فرد لا يزال يؤمن أنَّ هذه الأرض تستحقُّ منَّا موقفًا، إمَّا أن نكُونَ كـاِبْنِ العلقمي، أو نستحضر فينا روح قطز وبيبرس، المعركة اليوم ليسَتْ مع إيران، بل مع منطق الهيمنة، والمطلوب بجانب الرَّفض الصَّريح الضَّغط، التَّحرُّك، مخاطبة مَن يملك بقيَّة ضمير في هذا العالَم، عَلَيْنا أن نُعِيدَ صياغة فَهْمنا للقوَّة، أن ننتزعَ احترامنا لا أن ننتظرَه، لا بُدَّ أن نطالبَ بمنظومة دوليَّة جديدة، قادرة على مواجهة هذا السُّقوط؛ لأنَّ انهيار القانون الدّولي هو بداية النِّهاية، ولنَا في الحروب العالَميَّة السَّابقة عِبْرة لِمَن يَعْتَبر، هذا هو جوهر رسالتي، لا لأجْلِ دَولة بِعَيْنها، لكن من أجْلِ هذه المنطقة الَّتي ابتُليَتْ بمقامر يُصافح إرهابي، ويلعب بمستقبل الملايين وكأنَّهم أوراق كازينو سياسي... والرِّهان في النِّهاية على العالَم كُلِّه أجمع. 

إبراهيم بدوي

[email protected]