يبدو أنَّني من جيل «حظُّه من الدُّنيا قليل»، فقَدْ عاصَر حروبًا وشاهَدَ زلازل وتضرَّر من الأعاصير، ونجا بأُعجوبة من «كورونا»، ولم يكُنْ ينقصُه سوى التَّعرُّض للإشعاع، بعدما اشتعلتِ الحرب بَيْنَ إيران و»إسرائيل»، ودخلتْ أميركا على الخطِّ، لا لِتوقفَ الصِّراع، ولكن لِتزيدَ المنطقة التهابًا، بعدما رضختْ لرغبة نتنياهو، وضربتِ المفاعلات النوويَّة الإيرانيَّة، ولا ندري ماذا يُخبِّئ لنَا القدر؟ فالوضع مقلق، رغم التَّطمينات الرَّسميَّة والدّوليَّة، وتأكيد وكالة الطَّاقة الذريَّة بعدم وجود إشعاعات حتَّى الآن، ولكن هذه الوكالة لها سوابق في «الهجص»، فعِندَما انفجر مفاعل تشيرنوبيل في أبريل 1986، تكتَّمتِ السُّلطات في الاتِّحاد السوفيتي ولم تُعلنْ عَنْه، وظلَّتْ وكالة الطَّاقة الذريَّة تُصدر تقارير مطمئنة طوال اليومين اللَّذيْنِ أعَقَبا الانفجار، (من نَفْس العيِّنة الَّتي تُصدرها الآن)، تؤكِّد فيها أنَّ معدَّلات النَّشاط الإشعاعي آمِنة، وأنَّ المنطقة المحيطة بالمفاعل خالية من التَّلوُّث النَّووي، حتَّى جاء اليوم الثَّالث وأعلنتِ السويد وجود مستويات عالية من الإشعاع، قادمة مع اتِّجاه الرِّيح من موقع تشيرنوبيل، واكتشف العالَم أنَّ حادثة نوويَّة وقَعتْ في مكان ما داخل الاتِّحاد السوفيتي الَّذي أنكَر في البداية، وكان يعوِّل على محاولات مكافحة الحرائق وعمليَّات التَّنظيف، الَّتي باءتْ بالفشل، واضطرَّ في النِّهاية للاعتراف بالكارثة وطلَبَ المساعدة الدوليَّة. الأمْر المطمئن، أنَّ كارثتَي التَّسرُّب الإشعاعي المعلنتَيْنِ، تشيرنوبيل، وفوكوشيما الياباني لم يكُونُا نتيجة ضربات عسكريَّة، كما أنَّ محطَّة زاباروجيا النوويَّة بأوكرانيا، تعرَّضتْ للقصف بالصَّواريخ الروسيَّة والمُسيَّرات الأوكرانيَّة، ورغم ذلك لم يحدُثْ بها تسرُّب إشعاعي، رغم قصف محطَّة الكهرباء الَّتي تُغذِّي المحطَّة وتمدُّها بالمياه اللازمة لعمليَّات التَّبريد، ولكنَّ الخبراء أرجعوا صمودها لقوَّة الغلاف الفولاذي ووجود طبقات مُتعدِّدة من الخرسانة المُسلَّحة، تحمي قلب المفاعل وتمنع التَّسرُّب. كانتْ صدمةً لي عِندَما اطلعتُ على الإجراءات الَّتي يَجِبُ اتِّباعها للوقاية من التَّلوُّث الإشعاعي، فقَدِ اكتشفتُ أنَّها موَجَّهة لِمَن يعيش في أوروبا والبلاد الباردة، وإلَّا ما معنى النَّصيحة بالبقاء داخل مبنى مسمط، وإغلاق الأبواب والنَّوافذ بإحكام وإيقاف أنظمة التَّكييف والتَّهوية، في منطقة حارَّة تصل فيها درجات الحرارة والرُّطوبة لمعدَّلات قياسيَّة، يعجز معها الإنسان السليم على الحياة دُونَ استخدام أجهزة التَّكييف، فما بالك بالأطفال وكبار السِّن من أمثالي؟! فكَّرتُ في الفرار من الخليج والذَّهاب إلى مصر، ولكنِّي فوجئتُ بأنَّ التَّهديدات لم تستثنِ منطقة الشَّرق الأوسط بأسْرِها، فهناك مفاعل ديمونة على بُعد مئات الكيلومترات من الحدود المصريَّة، ولا نستبعد وصول الصَّواريخ الإيرانيَّة إلى قلْبِه، بعدما اقتربتِ الضَّربات الإيرانيَّة من محيطه، خصوصًا أنَّ التَّقارير تؤكِّد أنَّه مفاعل قديم ومتهالِك ويفتقر لمعاملات الأمان المتعارف عَلَيْها؛ لعدمِ اعتراف «إسرائيل» بوجوده، وعدم خضوعه لتفتيشات وكالة الطَّاقة الذريَّة؛ لرفض «إسرائيل» الانضمام لمعاهدة منعِ الانتشار النَّووي. هذه الحرب المحتدمة، حوَّلت كثيرين على مواقع التَّواصُل الاجتماعي، إلى خبراء في الجيولوجيا والجغرافيا، والطَّقس والأمان النَّووي، وكُلُّ خبير يُبعد الخطر عن مقرِّ إقامته، فهناك مَن أفتى بأنَّ اتِّجاه الرِّيح في صحراء النَّقب ستلقي بالغبار النَّووي في الاتِّجاه الشَّرقي ناحية الضفَّة الغربيَّة والأردن، كما أخذَ البعض يقيس المسافة من مفاعل بوشهر بمدينة أصفهان الإيرانيَّة إلى مقرِّ إقامته، ويؤكِّد أنَّ الإشعاع سينقطع نَفسه قَبل أن يصلَ إلى باب منزله. قررتُ أن أتركَها لله، وأبعدَ عن خاطري الأفكار السَّوداويَّة، وأنَّه لن يصيبَنا إلَّا ما كتَب الله لنَا، وأنَّ الله خير حافظًا، وكما نجَّانا في السَّابق قادر برحمته أن يحميَنا فيما هو قادم من غدر الإنسان والأيَّام.
محمد عبد الصادق
كاتب صحفي مصري