الثلاثاء 24 يونيو 2025 م - 28 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

جامع البياضة بالرستاق.. صرح ديني وتاريخي ومنارة علم متجددة

جامع البياضة بالرستاق.. صرح ديني وتاريخي ومنارة علم متجددة
الأحد - 22 يونيو 2025 06:17 م

الرستاق ـ العُمانية: يُعد جامع البياضة في ولاية الرستاق بمحافظة جنوب الباطنة من أبرز المعالم الدينية والتاريخية في سلطنة عُمان، لما يحمله من قيمة روحية وعلمية ومعمارية تجسّد عمق الإرث الحضاري الإسلامي الذي تميزت به الولاية عبر قرون من الزمان. ويعود تاريخ بناء جامع البياضة إلى القرن السادس الهجري، الموافق للقرن الثاني عشر الميلادي، على يد آل يَحْمَد، الذين اتخذوا منه مركزًا دينيًّا وعلميًّا في آنٍ واحد. وقد كان منبرًا لنشر العلم، ومكانًا لعقد البيعات ومناقشة القضايا الدينية والاجتماعية في مراحل مفصلية من تاريخ عُمان. ولم يكن الجامع مكانًا للعبادة فحسب، بل مثّل مدرسة علمية خرّجت عددًا من العلماء البارزين الذين كان لهم دور فاعل في تاريخ عُمان الفكري والسياسي، من بينهم الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، مؤسس الدولة اليعربية، والعلامة خميس بن سعيد الشقصي، صاحب كتاب (منهج الطالبين)، كما شهد حلقاته العلمية العلامة راشد بن سيف اللمكي، الذي التحق به لاحقًا الإمام نور الدين السالمي في بدايات طلبه العلم، إضافة إلى الشيخ محمد بن شيخان السالمي، والشيخ الزاملي. وبحسب ما ورد في كتاب (الرستاق عبر التاريخ)، فقد استمر عطاء الجامع طوال فترة الدولة اليعربية وما بعدها، حيث أصبح في عهد الإمام أحمد بن سعيد (الذي اتخذ من الرستاق عاصمةً لحكمه) القلب النابض للحياة الفكرية، ومقرًّا للقاءاته مع العلماء وكبار رجال الدولة، إلى جانب مواصلة دوره التربوي في تخريج أجيال متعاقبة من العلماء. وخرّج الجامع عددًا من العلماء الذين تسلّموا مناصب علمية وقضائية في أنحاء سلطنة عُمان ، منهم الشيخ الربيع بن المر المزروعي، والشيخ مبارك بن سالم المقبالي، والشيخ زايد بن سيف آل عبد السلام، والعلامة القاضي الشيخ سليمان بن عبدالله بن خلفان اللويهي، وغيرهم ممن أثروا الحياة العلمية في ولايات عُمان المختلفة. ويشتهر الجامع بمعالمه المعمارية الأصيلة، حيث شُيّد باستخدام مواد تقليدية مثل الحجارة والجص والصاروج، ويتميز بسقفه المنخفض المدعوم بأعمدة خشبية مزخرفة، ونوافذه الصغيرة التي تسمح بدخول الضوء الطبيعي، بالإضافة إلى محرابه المزخرف بنقوش نباتية وهندسية بسيطة تعكس براعة الحرفيين في تلك الحقبة. وقال خميس بن شيخان الهنائي، إمام وخطيب جامع البياضة: يُعد جامع البياضة من أعرق الجوامع في سلطنة عُمان، إذ أسسه آل يَحْمَد ليكون مركزًا للعلم والعبادة. فقد شهد تنصيب الأئمة وتدريس مختلف العلوم، وتخرج فيه علماء كبار، وذُكر في عدد من المصادر الفقهية مثل كتاب بيان الشرع، ولا يزال يحتفظ بمعالمه الأصلية حتى اليوم. من جانبه قال طالب بن محمد الرمحي، أحد المهتمين بالموروث الأثري والتاريخي من ولاية الرستاق: يقع جامع البياضة داخل سور قلعة الرستاق، وقد بُني في القرن السادس الهجري في زمن اليحمد، وجامع البياضة شكّل منارة علمية أثّرت في ولايات عُمان كافة، وظل حتى الأمس القريب منبعًا لغزير العلم والمعرفة، إذ خرّج علماء وقادة تولوا مناصب متعددة في الدولة، ما يؤكد رسوخ دوره وتفرده كمؤسسة دينية وعلمية على مرّ العصور.