الثلاثاء 24 يونيو 2025 م - 28 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

سميحة أيوب كما عرفتها «5»

سميحة أيوب كما عرفتها «5»
الأحد - 22 يونيو 2025 06:13 م
20

إبان شهر ديسمبر عام 2008م، وأثناء تواجدي ببهو فندق الشام الذي وصلنا إليه أنا وسميحة، وبعد إجرائي لقاء صحفي مع أحد الصحفيين بالصحف السورية، فوجئت بأن الصحفي يطلب مني خدمة، تبادر إلى ذهني مباشرة أنه ربما يريد شيئًا من أحد المسؤولين في المهرجان، أو ربما من معالي وزير الثقافة السوري الذي كان مهرجان رواد العرب تحت رعايته. لكن الصحفي فاجأني بأنه يطلب مني قراءة كفي. كنت في حالة من الذهول لكون الطلب غريبا، والأكثر غرابة أنه يأتي من صحفي يقابلني لأول مرة، وحين سألته عن السبب، علل: بأن يديَّ معبرة جدًا. فقاطعته مستنكرة بسؤالي: هو حضرتك تتغزل فيَّ؟! اعتذر وأكد لي أن ما قلته لم يكن مقصده، بل هو جاد في مطلبه. وبحكم أنني لم أعش تجربة قراءة الكف من قبل، ومن الصعوبة بما كان أن تتم هذه التجربة في بهو فندق ممتلئ بكافة وسائل الإعلام إبان المهرجان وقتئذ. اتصلت برقم الجناح الذي تقيم فيه سميحة أيوب من هاتف الاستقبال في الفندق، وقلت لها ما قاله لي الصحفي، فعلقت سميحة: (هو جاي يعمل لقاء صحفي ولا جاي يتغزل ويستظرف! عمومًا، طلعيه فوق في جناحي، هو مش قال لك عايز يقرأ كفك، أنا حخليه يقرأ كفي وكفك بس ماتقوللهوش هو رايح يقابل مين). حين صعدنا جناح سميحة، فوجئ الصحفي بها. وأول شيء طلبه هو أن يجري معها حوارًا. أجابت سميحة أيوب باقتضاب: (حيحصل بس إقرأ الكف الأول). وبالفعل، بمجرد أن نظر الصحفي في كف سميحة، أول جملة نطقها كانت: (حضرتك بدوري على ابنك حيتصل بيك وحتشوفيه). لم أتمالك ذاتي حين سماع الجملة فقلت له بصوت مرتفع: هل أنت متأكد مما تقوله؟ فقال: (طبعًا متأكد). بعد ذلك، قلت لسميحة مطمئنة إياها: إن ما وقع اليوم مستحيل أن يكون مجرد صدفة، أكيد في حقيقة ما في الموضوع، لاسيما وأن اثنين أكدا على نفس الأمر، أحدهما في سلطنة عُمان في السابق والثاني حاليًا في سوريا، والاثنان لا علاقة لهما ببعض. قالت سميحة بعد تنهيدة: (يا رب يا آسية، أشوف ابني، امتى بس ده حيحصل؟ الموضوع طول قوي وأنا تعبت). فقلت لها: بإذن الله سيكون، أنت تدعين ربك في كل صلواتك، وأكيد سيستجيب لدعائك. ولدي شعور داخلي بأن ما وقع اليوم هو بشارة خير. فقالت بنبرة أسى: (نفسي أشوف ابني، أصل محمود ابني ده طول عمره بيدلع عليَّ من صغره، وكان حاسس وبيقول لي دائمًا إني بحب علاء أكثر منه، وإني بهتم بعلاء أكثر منه، وده مش حقيقي، أنا بحب ولادي الاثنين زي بعض، وعمري ما فرقت بينهما لا في الاهتمام ولا في العطاء ولا في الحب). فعلقتُ قائلة : ربما هذا الشعور تولد لديه لأنك صرحت أكثر من مرة وحتى في كتابك (رحلتي) قلت إنك كنت تعشقين الفنان محمود مرسي والد علاء، بينما الأمر كان مختلفًا مع الفنان محسن سرحان والد محمود . فقالت : (ما هي دي الحقيقة أنا ما نكرش، لكن صدقيني الضنى ضنى في النهاية، وبالنسبة لأي أم وما تفرقش معاها مين أبوه، وأنا بحب ولادي الاثنين زي بعض). بحكم أن توقيت المهرجان كان في المساء من ذلك اليوم، ذهبتُ مع سميحة نهارًا إلى السوق للتسوق، حيث اشترت أغراضًا لذاتها ولابنها الدكتور علاء. وفوجئت بأنها تشتري هدية لي كانت شالًا أسود من الصوف وعقدا فضيا، وقالت لي بنبرتها الآمرة الجميلة: (ألبسيهم الليلة حيبقوا حلوين قوي عليك)، وبالفعل، هو ما ارتديته في ليلة التكريم تلك. ولا زلت إلى يومنا هذا أحتفظ بالشال والعقد، كما أحتفظ بأي شيء جميل من سميحة أيوب. اتصال في غير موعده في يوم 8 مارس من كل عام، عادة أتذكر عيد ميلاد سميحة أيوب، فاتصل بها كي أُعيد عليها في يوم ميلادها، وتتصل هي بي في يوم عيد ميلادي الذي يكون بعدها بأسبوع في يوم 15 مارس. وكثيرًا ما تنهي مكالمتها بجملة: (عيد ميلاد سعيد عليك يا حوتة)، نسبة إلى برج الحوت الذي ينتمي إليه مواليد شهر مارس. وفي حقيقة الأمر، ولاسيما بعد تخرجي واستقراري بسلطنة عُمان في سنة 2000م، لم يقتصر اتصال سميحة أيوب بي على يوم ميلادي فحسب، بل حين لا تسمع أية أخبار مني لفترة طويلة، يكون اتصالها بغرض الاطمئنان عليَّ وعلى والديَّ، خاصة أنها كانت تعرفهما جيدًا، إذ قابلتهما أكثر من مرة ما بين القاهرة ومسقط. وحين أُصبت بمرض السرطان في العام 2009م، كانت سميحة دائمًا على تواصل معي بغرض السؤال والاطمئنان، لاسيما وأنها مرت بذات التجربة من قبلي . خلال تلك الفترة، وحين كنت أقول لها: سميحة يا حبيبتي، لماذا اتصالك بي يكون دائمًا على الدولي؟ اتصلي بي عبر الواتس آب، يكون ردها: (واتس آب إيه بس يا آسية، ما انت عارفة ماليش في التكنولوجيا، ده كويس قوي بعرف أضرب نمرتك من تليفوني المحمول). على مدار سنوات صداقتنا، لاسيما وأنا بسلطنة عُمان، حين تتصل بي سميحة أيوب، لاحظت أن اتصالها يكون عادة ما بين الساعة الثامنة والتاسعة مساءً بتوقيت مسقط، فاستنتجت أنه الوقت المناسب لها في القاهرة، لأنها تكون قد استيقظت من قيلولتها. لكن في عام 2010م، لا أتذكر التاريخ والشهر تحديدًا، لكن أتذكر جيدًا أنه كان في الربع الأول من السنة، لأنني كنت عائدة من إيران بعد مشاركتي في المؤتمر العالمي النسائي الأول (النخب العلمية النسوية في العالم الإسلامي) الذي انعقد في طهران مع نهاية شهر يناير 2010م. رن هاتفي المحمول قبل الثالثة عصرًا بقليل بتوقيت مسقط ، أتذكر الساعة جيدًا لأنني كنت على وشك أن أنام القيلولة. فحين قرأت الاسم والرقم، وقبل أن أرد، قلت لذاتي: خير اللهم اجعله خير؟ سميحة تتصل بي على غير عادتها في وقت الاتصال، يا رب خير. وقبل أن أكمل جملتي (خير يا سميحة، في حاجة؟ ...) سمعت صوتها يجلل من الفرحة والغبطة في الجانب الآخر، وهي تقول لي: (خير يا آسية، بطمنك محمود ابني اتصل بي من أميركا، وهو كويس، وأنا حأسافر له أميركا قريب، ما تنسيش تشكري لي الشيخ المثقف اللي رحنا له عندكم، هو أول واحد بشرني). وبالفعل، هاتفت الشيخ مهنا (رحمة الله عليه) فيما بعد، وأوصلتُ إليه شكرها. الفرحة والمفاجأة أخذتني كنت في حالة من الذهول الكامل، إلى درجة أنني لم أستفسر منها متى كان اتصال محمود؟ أو حتى متى ستسافر إليه، كل الذي قلته هو: ألف حمد وشكر يا رب، يا ما انت كريم، يا رب، ألف حمد وشكر، مبروك يا سميحة. كل ما سألت عنه خلال تلك المكالمة القصيرة والعاجلة: أين كان محمود طوال هذه المدة؟. فأجابت: (كان في المستشفى بيتعالج، ومحبش يقلقني معاه). آثرت عدم الدخول في أية تفاصيل، الفرحة والمفاجأة كانتا أكبر وأجمل من أية استفسارات. وعرفت منها بعد ذلك أنها بالفعل سافرت إليه وجلست معه ما يقرب الشهرين قبل رحيله، وكانت تطبخ له كل الأكلات التي كان يحبها، وهو ما أدلت به أيضًا في بعض أحاديثها.

سميحة أيوب كما عرفتها «5»