تمضي سلطنة عُمان نَحْوَ تنمية شاملة تتجاوز الشعارات، وتغوص عميقًا في صُلب بناء الدَّولة، لِتمضيَ نهضتها المُتجدِّدة في طريقها الصَّحيح، فما تشهده السَّلطنة من حراك اقتصادي واجتماعي على كافَّة المستويات لا ينفصل عن الرُّؤية الوطنيَّة الكبرى «عُمان 2040»، والَّتي صُمِّمت لتغيير الواقع من الجذور رغم التَّحدِّيات. فخلال الأعوام القليلة الماضية، شهدتِ البلاد تنفيذ برامج واسعة تغطِّي محاور التَّعليم، والصحَّة، والحماية الاجتماعيَّة، والبيئة، والحوكمة، والمشاركة الشبابيَّة، والتَّنمية الثقافيَّة، وكُلُّ ذلك ضِمن إطار منهجي يستند إلى التَّكامل بَيْنَ المؤسَّسات، والتَّوزيع العادل للموارد، وتحفيز المبادرات المحليَّة. ولعلَّ أهمَّ ما يُميِّز هذا التَّوَجُّه أنَّ الدَّولة لم تكتفِ بالتَّخطيط، بل انتقلتْ إلى التَّفعيل الواقعي، واستطاعتْ أنْ تحوِّلَ (95٪) من البرامج الاستراتيجيَّة للخطَّة الخمسيَّة العاشرة إلى واقع ملموس، وهذه النِّسبة تُعَدُّ مرآةً حقيقيَّة لنضجِ القرار، وجودة الإدارة، وتماسُك الرُّؤية الوطنيَّة في وقتٍ تعصف فيه الأزمات بكثير من الاقتصادات من حَوْلِنا. النَّتائج المتحقِّقة في تنفيذ الخطَّة الخمسيَّة العاشرة، بوصفها أُولى لَبِنات الرُّؤية العشرينيَّة، تكشف عن حراك تنموي واسع لا يترك محافظة دُونَ أثَر، ولا قِطاعًا دُونَ استثمار، كما أنَّ البنية الأساسيَّة تشهد إعادة تشكيل شاملة، من مشروع مدينة السُّلطان هيثم الَّذي شكَّل نموذجًا للتَّخطيط العمراني في المستقبل، إلى الطُّرق الحديثة الَّتي تربط الولايات، والمستشفيات الَّتي ترتفع جدرانها في كافَّة رُبوع البلاد، والمدارس الَّتي يجري بناؤها لِتواكبَ حاجات التَّعليم الحديث، كُلُّ هذه المشروعات تترجم تطورًا في إدارة الموارد الإنمائيَّة، الَّتي ارتفعتْ مخصَّصاتها إلى (11) مليار ريال عُماني، بنسبة نُموٍّ بلغتْ (72٪) مقارنةً ببداية الخطَّة، كما أنَّ التَّركيز لم يَعُدْ موَجَّهًا نَحْوَ المركز فقط، بل شمل المحافظات والولايات البعيدة، بما يخلق تنمية مكانيَّة متوازنة تعكس التَّوَجُّه نَحْوَ اللامركزيَّة، ما يَضْمن توزيع الفرص وتحقيق العدالة في الخدمات، ما يؤكِّد أنَّ الخطط لا تَسِير عشوائيًّا، لكنَّها ترتبط بمؤشِّرات أداء وتقييم مستمر، وكُلُّ قِطاع ـ من الصحَّة إلى النَّقل، ومن التَّعليم إلى الطَّاقة ـ أصبح يمتلك خريطة طريق واضحة تتكامل فيها البنية، والبَشَر، والبيئة، والتقنيَّة، في سبيل إنتاج دَولة أكثر مرونة، وأقرب إلى الإنسان. في موازاة هذه الجهود الهيكليَّة، تظهر بيانات التِّجارة الخارجيَّة لِتؤكِّدَ أنَّ الاقتصاد العُماني بدأ بالفعل يجني ثمار التَّنويع، حيثُ يُقدِّم النُّمو في الصَّادرات غير النفطيَّة بنسبة (8.6٪) خلال الرُّبع الأوَّل من 2025 إشارةً واضحة على تحسُّن الأداء، خصوصًا مع ارتفاع مبيعات القِطاعات الحيويَّة مِثل مواد البناء، والبتروكيماويَّات، والزِّراعة، والتَّعدين، بنِسَبٍ تصل إلى (150٪) في بعضها، هذه الأرقام لم تكُنْ لِتتحققَ دُونَ وجود أدوات داعمة مِثل (كريدت عُمان) الَّتي تَقُوم بِدَوْر أساسٍ في تأمين الصَّادرات وحماية المصنِّعَين والمصدِّرَين من تقلُّبات الأسواق، هذا البرنامج التَّأميني لم يَعُدْ مجرَّد إجراء وقائي، إنَّما تحوَّل إلى رافعة اقتصاديَّة تُتيح التَّوَسُّع للأسواق العُمانيَّة في الخارج بثقة أكبر، وتراجع بعض القِطاعات يدفع نَحْوَ إعادة التَّقييم والتَّطوير، والتَّحوُّل هنا يُقاس بالقدرة على الصُّمود والمنافسة، وبامتلاك أدوات الانتقال من الاقتصاد التَّقليدي إلى اقتصاد الإنتاج، والرَّبط بَيْنَ ما يصنع في الدَّاخل وما يصدَّر للخارج. إنَّ أهمَّ ما يُميِّز هذا المشهد التَّنموي المتسارع، هو أنَّ سلطنة عُمان تتقدم بخُطى ثابتة نَحْوَ تأسيس اقتصاد معرفي حديث يتَّكئ على الذَّكاء الاصطناعي والتقنيَّات الرَّقميَّة المتقدِّمة؛ بوصفها أدوات استراتيجيَّة للتَّنمية الشَّاملة. فالبرنامج الوطني الَّذي أُقرَّ في 2024 يُشكِّل خطَّة تنفيذيَّة موزَّعة على محاور تتعلق بإدماج التقنيَّات الحديثة في القِطاعات الاقتصاديَّة، وبناء القدرات الوطنيَّة، وتوفير بيئة تشريعيَّة مَرِنة تُواكب التَّطوُّرات التكنولوجيَّة، ويأتي تقدُّم السَّلطنة خمس مراتب في مؤشِّر الجاهزيَّة الحكوميَّة للذَّكاء الاصطناعي نتيجةً لجهدٍ تراكمي واستثمار منظَّم، فعدَدُ الشَّركات النَّاشئة في المجال تضاعف، والاستثمارات تجاوزتْ (60) مليون ريال عُماني، والمبادرات مِثل (صنَّاع الذَّكاء الاصطناعي) و(هندستها) تُعَبِّر عن توَجُّه محلِّي لإنتاج حلول عُمانيَّة المنشأ تعالج التَّحدِّيات وتفتح مجالات جديدة للنُّمو، فالذَّكاء الاصطناعي لم يَعُدْ رفاهيَّة، لكنَّه أداة إنتاج، وجزء من السِّيادة الرَّقميَّة، وقوَّة ناعمة جديدة تعكس موقع الدَّولة في عالَم سريع التَّحوُّل، ودائم الاختبار.