الجمعة 20 يونيو 2025 م - 24 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

سميحة أيوب كما عرفتها «3» .. بداية الصداقة بيني وبين سميحة أيوب

سميحة أيوب كما عرفتها «3» .. بداية الصداقة بيني  وبين سميحة أيوب
الأربعاء - 18 يونيو 2025 07:53 م
90

لم أكن أتوقع بعد تلك الزيارة الأولى، أنني سأدخل شقة سميحة أيوب عشرات المرات فيما بعد، تواصلت معها هاتفيًا، وظلت علاقتنا لبعض الوقت تقتصر على التهنئة وتبادل المعايدات والهدايا الرمزية في بعض المناسبات، إلى أن قالت لي سميحة عبر الهاتف في يوم ما: (الله هو إحنا حنفضل كده كثير نهنئ بعض ونُعيد على بعض. مش حشوفك؟ ما تيجي تتغدي معايا)، حاولت أن أعتذر بشدة، وكنت صريحة معها في اعتذاري حين قلت لها موضحة: بأنني لي نظام خاص في المذاكرة حيث أستيقظ في الصباح الباكر، وأتغدى على الساعة الثانية ظهرًا ثم أنام القيلولة لأواصل يومي بعد ذلك في المذاكرة، والناس في مصر عادة يتناولون وجبة الغداء في الساعة الخامسة أو السادسة، وأنني لن أتحمل الجوع، علاوة على أنه سيكسر من روتيني اليومي، ولذا أفضل زيارتها فقط في أي وقت يكون مناسبًا لها ولي، بعيدًا عن موضوع الغداء، طلبت منها أن نحدد موعدًا من الآن، فردت عليَّ بنبرتها المميزة حين ترج خشبة المسرح قائلة: (إيه إللي أنا بسمعه منك ده؟! غدا إيه اللي الساعة 5 والساعة 6؟ ده عشا بقى مش غدا)، ثم أردفت بنبرة حادة مؤكدة لي: (بصي، أنا بتغدى كل يوم الساعة 2 ونصف بالضبط، وبريح بعد الغدا زيك، فبلاش حجج، يا الله تعالي بكرا على الساعة واحدة ونصف نتغدى مع بعض، بس قولي لي أنت عايزة تكلي إيه؟ أنا حطبخلك بنفسي). لم تكن دعوة الغداء تلك من قِبَل سميحة أيوب هي الوحيدة لي، إذ تكررت دعواتها لي كثيرًا أثناء سنوات دراستي للدكتوراه في القاهرة (1997-2000م)، إلى أن أصبحت طقسًا، فحتى بعد نيلي درجة الدكتوراه في سنة 2000م، ومع كل زيارة لي إلى القاهرة، أصبح لزامًا عليَّ أن أتغدى مع سميحة أيوب، وحين كنت أذهب إليها، كثيرًا ما نكون بمفردنا وأحيانًا بمعية نجلها الدكتور علاء مرسي وحفيدها يوسف مع أخريات من صديقاتها كالفنانة سميرة عبد العزيز والكاتبة فتحية العسال. سميحة أيوب ست البيت والإنسانة خلال تلك الدعوات، اكتشفت جانبًا آخر من الجوانب الثرية لشخصية سميحة أيوب، فبجانب أنها كريمة ومضيافة للغاية، فهي (ست بيت من الطراز الأول) ذات بصمة خاصة في الطبخ، في مرة من المرات، كنا بمفردنا، حاولت أن أعلق على ذلك فقلت لها: أنت أكلك حلو ولذيذ جدًا يا سميحة، لكنه كثير جدًا في الكم، فكلما آتي للغداء عندك أجد مأدبة كاملة على الطاولة، علاوة على ذلك من الذي سيأكل كل هذا؟!. قاطعتني قائلة: (كلي وانت ساكته)، ثم واصلت: (انت فكرك إن كل الأكل ده حيترمي؟ لا طبعًا، بعد كده بينزل الشارع تحت ويتوزع)، فعلقتُ مازحة: واضح إن حي الزمالك كله سيتغدى معنا. فأكدتْ: (طبعًا يا آسية، أنا فاتحة بيوت، إنت فكرك إيه؟). هذا الجانب الإنساني في شخصية سميحة أيوب لم أسمعه عنها أو أقرأه فحسب، بل لمسته فعليًا وواقعيًا، إذ لن أنسى يومًا ما، وأثناء دراستي بالقاهرة، لجأتُ إليها، وعرضتُ عليها أن تشاركني في مساعدة شخص ما، فقبل أن أشرح لها الحالة، فوجئت بأنها تقاطعني قائلة لي: (من غير دخول في أي تفاصيل، قوليلي أساعد بكام؟ ما هو أنت مش حتجيلي لحد هنا غير والحالة فعلاً تستحق المساعدة). لم تكن جلساتي الكثيرة مع سميحة أيوب سوى جرعات مكثفة من الحوارات والنقاشات العميقة في مختلف الموضوعات، وقد اتفقنا على مبدأ منذ بداية تلك الجلسات حين يتعلق الأمر بأية خصوصية خاصة بها أو بي، فهو موضوع ثنائي بحت، وحين يكون الأمر عامًا، فهو اجتماعي، ويمكن أن يطرح على أي طرف ثالث. خفة ظل سميحة أيوب رغم جدية الموضوعات مع سميحة أيوب، فإنها لم تكن لتخلو من خفة ظلها، حين تقول لي بعد الغداء: (نضبط الدماغ مع القهوة علشان الكلام يحلو)، سميحة أيوب كانت دومًا تشرب قهوتها التركية بعد الغداء مظبوطة بالبن الغامق، بينما أشربها أنا بالبن الفاتح سادة بلا سكر، لذا حين كنت أذهب إليها، تتأكد من أن البن الفاتح موجود وتم شراؤه. خفة ظل سميحة أيوب عبر المواقف المختلفة لن تمحى من ذاكرتي، أتذكر حين كنت أعمل معها بمعية أعضاء لجنة التحكيم بمهرجان المسرح في سلطنة عُمان، بعد متابعة العروض المسرحية مساء كل يوم، يمتد عمل لجنة التحكيم لساعات في الليل، كنتُ أحيانًا أهمس في أذنها لأطلب منها التوقف وإنهاء عمل التحكيم، لاسيما وأنني وبعض الزملاء مرهقون. فلا بأس أن نكمل ما لم يُكمل الليلة في الغد، فكانت تعلق بخفة ظل في أذني: (أنا سمعي ثقيل الليلة)، فأفهم مباشرة أن الطلب مرفوض، وحين تستفرد بي بعد ذلك، تقول لي بصوت جاد بحس الفنان الأصيل الدؤوب والحريص على عمله: (إيه حبوب الدلع اللى انت كنت بلعاها إمبارح بالليل؟ عايزانا نوقف الشغل! ده انت قاعدة في جراند حياة، يعني فندق خمس نجوم، وكل طلباتك مجابة، أمال لو كنت قاعدة في مكان عادي كنت قلت إيه؟) فكنتُ أضحك. في زياراتي المتكررة لمصر، كثيرًا ما كانت تدعوني سميحة أيوب لقضاء بعض الأيام الصيفية بمنزلها في الغردقة، لكن آسفًة لم أستطع تلبية أي من دعواتها، لا لشيء سوى أن الوقت كان ضيقًا معي، فإما أن أكون مسافرة من القاهرة إلى زنجبار، أو العكس، إلى درجة أنها علقت على هذا الأمر بخفة ظلها المعهودة حين قالت لي: (انت إيه حكايتك؟ هو أنا كل ما بقول لك تيجي معايا الغردقة تقولي لي رايحة زنجبار وجاية من زنجبار، ما تخفيش، حجيبلك اثنين يرطنوا معاك بالسواحلي في الغردقة، علشان تحسي إنك في زنجبار).

د. آسية البوعلي

كاتبة عمانية

سميحة أيوب كما عرفتها «3» .. بداية الصداقة بيني  وبين سميحة أيوب