الأربعاء 18 يونيو 2025 م - 22 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

«العدول النحوي أنماطه ودلالاته.. تغيير الحركة من فتح إلى ضم» «2»

الأربعاء - 18 يونيو 2025 05:37 م

.. والانحراف من الفتحة إلى الضمة قد رسم لنا فهْم شعيب ـ عليه السلام ـ الرسالة تمام الفهم، وأدرك وظيفته تمام الإدراك، ووعى مهمته تمام الوعي، وقام بها خير قيام، وسار بها وفق أنهج السبل، وأدق المعايير التي تدل على الجهد الكبير والمتواصل في الدعوة، والنصح، وبذل أقصى الوسع في سبيل الله، وإعادة هؤلاء إلى رحاب دين ربهم. وقد جاء في التفسير الميسر ما يؤكِّد ذلك:(قَالَ المَلأُ الذينَ استكبَروا مِن قَومِهِ لَنُخرِجَنَّكَ يَا شُعيبُ): أي قال” قال السادة والكبراء من قوم شعيب، الذين تكبروا عن الإيمان بالله، واتباع رسوله شعيبٍ ـ عليه السلام:(لنُخرِجَنَّكَ يا شعيب، ومَن معك من المؤمنين من ديارنا، إلا إذا صرتم إلى ديننا، قال شُعيب منكرًا ومتعجبًا من قولهم: أنتابعكم على دينكم ومِلَّتكم الباطلة، ولو كنا كارهين لها لعِلْمِنا ببطلانها؟!). وأكد على هذا المعنى صاحب المختصر في التفسير حيث قال:(قال الكبراء، والرؤساء الذين استكبروا من قوم شعيب لشعيب ـ عليه السلام: لنُخرِجَنَّكَ ـ يا شعيب ـ من قريتنا هذه أنت، ومن معك من الذين صَدَّقُوا بك، أو لترجعنّ إلى ديننا، قال لهم شعيب منكرًا، ومتعجبًا: أنتابعكم على دينكم.. وملَّتكم حتى لو كنا كارهين لها لِعِلْمِنا ببطلان ما أنتم عليه؟!). وورد في تفسير الجلالين ما يكشف عن ذلك المعنى:(قَالَ المَلأُ الذَينَ استَكبَروا مِن قومِهِ) عن الإيمان:(لَنخُرِجَنَّكَ يا شعيبُ والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودُن ـ ترجعن في ملتنا ـ ديننا، وغَلَّبُوا في الخطاب الجمعَ على الواحد؛ لأن شعيبًا لم يكن في ملتهم قط، وعلى نحوه أجاب: أنعود فيها ـ ولو كنا كارهين ـ لها، وهو استفهام إنكار، يدل على استهزائهم المهين، وتهديدهم المهترئ الضعيف، وأما السعدي فقد قال في تفسيره:(قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ)، وهم الأشراف والكبراء منهم الذين اتبعوا أهواءهم، ولهوا بلذاتهم، فلما أتاهم الحق، ورأوه غير موافق لأهوائهم الرديئة، ردوه، واستكبروا عنه، فقالوا لنبيهم شعيب، ومن معه من المؤمنين المستضعفين: (لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) استعملوا قوتهم السبعية، في مقابلة الحق، ولم يراعوا دينًا، ولا ذمة، ولا حقًّا، وإنما راعوا، واتبعوا أهواءهم، وعقولهم السفيهة التي دلتهم على هذا القول الفاسد، فقالوا: إما أن ترجع أنت، ومن معك إلى ديننا، أو لنخرجنكم من قريتنا. فـشعيب ـ عليه السلام ـ كان يدعوهم طامعًا في إيمانهم، والآن لم يَسْلَمْ من شرهم، حتى توعدوه إن لم يتابعهم بالجلاء عن وطنه، الذي هو ومن معه أحق به منهم، فقَالَ لهم شعيب ـ عليه السلام ـ متعجبًا من قولهم:(أَوَ لَوْ كُنَّا كَارِهِينَ) أي:(أنتابعكم على دينكم، وملتكم الباطلة، ولو كنا كارهين لها لعلمنا ببطلانها، فإنما يُدْعَى إليها من له نوع رغبة فيها، أما مَنْ يعلن النهي عنها، والبراءة منها، والتشنيع على مَنِ اتبعها فكيف يدعى إليها؟!). وفي تفسير البغوي جاء قوله:(قَالَ المَلأُ الذَّينَ استَكبَروا مِن قَومِهِ) يعني: الرؤساء الذين تعظموا عن الإيمان به:(لَنخُرِجَنَّكَ يا شعيبُ، وَالذينَ آمنوا مَعَكَ مِن قَريَتِنا أَو لَتَعُودُّنَ فِي مِلتِنا)، أي: لَتَرجَعُنَّ إِلى دِيننا الذي نحن عليه، قال شعيب:(أَوَلو كُنَّا كَارِهين) يعني: لو كنا، أي: وإن كنا كارهين لذلك، فتجبروننا عليه؟!، وهكذا وُصِفُوا بصفة الصلف، والكبر، وسوء المعاملة مع نبيهم، كما ذكر صاحب التفسير الوسيط، قال: قال الأشراف المستكبرون من قوم شعيب له ردا على مواعظه لهم: والله لَنَخُرِجَنَّكً يا شعيبُ أنت، والذين آمنوا معك من قريتنا بغضا لكم، ودفعا لفتنتكم المترتبة على مساكنتنا، ومجاورتنا، أو لتعودُنَّ وترجعُنَّ إلى ملتنا، وما نؤمن به من تقاليد ورثناها عن آبائنا، ومن المستحيل علينا تركها، فعليك يا شعيب أنت، ومن معك أن تختاروا لأنفسكم أحد أمرين: الإخراج من قريتنا، أو العودة إلى ملتنا.

د.جمال عبدالعزيز أحمد

كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية

[email protected]