الجمعة 20 يونيو 2025 م - 24 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن: «الصغيرة والمتوسطة».. العمود الفقري للاقتصاد الوطني

الأربعاء - 18 يونيو 2025 06:56 م

رأي الوطن

40

في خريطة الاقتصاد الوطني، تظهر المؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوسِّطة كعنصر رئيسٍ في تعزيز الإنتاج وتوسيع دائرة المشاركة المُجتمعيَّة في التَّنمية، ولا يرتبط حضورها المتزايد فقط بحجمها أو عددها، إنَّما بالمسؤوليَّة الَّتي تحملها في تحريك عجلة السُّوق، وتوليد الفرص، واستثمار الطَّاقات الوطنيَّة. خلال السَّنوات الأخيرة، أصبح واضحًا أنَّ هذه المؤسَّسات تُمثِّل بوَّابة حقيقيَّة لتحقيقِ التَّنويع الاقتصادي الَّذي تطمح إِلَيْه سلطنة عُمان ضِمْن أهداف رؤية «عُمان 2040». وقدرتها على التَّغلغل في مختلف القِطاعات، وتوظيف التقنيَّات الحديثة، والتَّفاعل مع احتياجات السُّوق يمنحها قِيمة استراتيجيَّة تتجاوز الدَّوْر التَّقليدي، ففي كُلِّ ولاية وقرية نجد تجارب صاعدة تستحقُّ الدَّعم، وفي كُلِّ منتج وطني تنمو فكرة تعكس قدرة المواطن على تحويل المبادرات إلى مشاريع ذات أثَر مستدام، تمكين هذه المؤسَّسات يعني تمكين الاقتصاد من المرونة، وتعزيز الثِّقة في قدرة الشَّباب العُماني على قيادة التَّحوُّل. وتُواصلُ (مدائن) بالتَّعاون مع الهيئة العامَّة للمناطق الاقتصاديَّة الخاصَّة والمناطق الحُرَّة دفْعَ عجلة التَّمكين من خلال مبادرة (تكافؤ الفرص الوطنيَّة)، الَّتي دخلتْ نسختها الرَّابعة، لِتربطَ بَيْنَ الرُّؤية الوطنيَّة والواقع العملي، حيثُ تفتح المبادرة المجال أمام المشاريع الواعدة للوصول إلى مسارات إنتاجيَّة حقيقيَّة، وتوفِّر لها بيئة مساندة تُشجِّع التَّصنيع المحلِّي، وتُعزِّز من تنافسيَّة السُّوق. والدَّوْر الَّذي تؤدِّيه أكاديميَّة الابتكار الصِّناعي في هذا السِّياق يعكس توجُّهًا جادًّا في بناء قدرات المؤسَّسات العُمانيَّة، من خلال تقديم الدَّعم الفنِّي وربطها بفرص صناعيَّة ملموسة، ومن خلال مبادرات مِثل (صنَّاع عُمان)، و(إنتاج صحار)، و(مسرّعة الأعمال)، حيثُ يجري العمل على رفع كفاءة المصانع النَّاشئة، وتوفير حلول هندسيَّة وتصنيعيَّة متقدِّمة، ودعم تطوير النَّماذج الأوَّليَّة والرَّبط المباشر مع السُّوق والمستثمِرِين، فهذا المسار التَّمكيني لا ينفصل عن طموح وطني يستهدف بناء اقتصاد منتج يعتمد على الإنسان المحلِّي والمعرفة التَّطبيقيَّة. من جهة أخرى انعكس هذا التَّوَجُّه في تنفيذ برامج ميدانيَّة مُتخصِّصة شملتْ قِطاعات متنوِّعة وشرائح مختلفة من المُجتمع، بمن فيهم الباحثون عن عمل وأصحاب الأفكار الصِّناعيَّة، فقَدْ شملتِ البرامج تدريبًا على تشغيل مكائن البلاستيك، وتأسيس الشَّركات النَّاشئة، وتطوير مشاريع في قرية ميبام، إلى جانب حلقات في الذَّكاء الاصطناعي وصناعة السُّفن التَّقليديَّة، ومجالات قانونيَّة وتقنيَّة مرتبطة بالتَّصنيع. ولعلَّ هذا التَّنوُّع يُعبِّر عن فَهْمٍ عميق للاحتياجات الواقعيَّة للسُّوق المحلِّي، ويُعزِّز من فرص الإدماج الفعلي للمواطنين في دَوْرة الإنتاج، كما تمَّ رصد احتياجات المصانع القائمة في المُدُن الصِّناعيَّة التَّابعة للصَّغيرة والمُتَوَسِّطة مِثل الصِّيانة، التَّغليف، التَّمويل، التَّسويق، والخدمات القانونيَّة (مدائن)، وتحديد خدمات يُمكِن أنْ تقدِّمَها المؤسَّسات، حيثُ قُدّرتِ القِيمة الإجماليَّة لهذه الفرص بأكثر من (6.7) مليون ريال عُماني، وتمَّ إبرام عقود تشغيل مع عددٍ من المؤسَّسات، الأمْر الَّذي يعكس جاهزيَّة السُّوق المحلِّي للدُّخول في دَوْرة إنتاج متكاملة تعتمد على رأس مال وطني بالكامل. التَّجربة العُمانيَّة في دعم المؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوَسِّطة تمضي في مسار مدروس، قائم على بناء القدرات، وتوفير بيئة اقتصاديَّة محفِّزة، وفتحِ قنواتِ التَّواصُل مع الأسواق، وأهمُّ ما يُميِّز هذا التَّوَجُّه أنَّه يُبنى على تنفيذ فعلي، وبرامج تدريب، ومبادرات ترتبط بحاجات واقعيَّة. فدعم هذه المؤسَّسات لا يعني فقط توفير فرص عمل، بل يعني إيجاد منظومة إنتاج جديدة، يشارك فيها الجميع من خلال مساهمات حقيقيَّة، وأفكار عمليَّة، وشراكات مستندة إلى الثِّقة والابتكار، وهذه التَّجربة لا تزال تتطوَّر، والمكاسب تتراكم، والفرص أمام المؤسَّسات المحليَّة في تزايد مستمر، ومع استمرار هذا الزَّخم في التَّمكين، تبقَى هذه المؤسَّسات على رأس أولويَّات التَّنمية، وقادرة على أداء دَوْر محوري في تحويل الطُّموحات الوطنيَّة إلى واقع ملموس.