خلال الاتصال الهاتفي الَّذي أجراه حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ أمس الأوَّل مع الرَّئيس الإيراني مسعود بزشكيان أكَّد على أهميَّة التَّهدئة بَيْنَ الجانبَيْنِ إيران و(إسرائيل) والعودة للمفاوضات والحوار والتَّفاهم لإيقاف شبح الصِّراع الدَّائر وتداعياته الكارثيَّة. وبعد هذا الاتِّصال تبرز إلى الأذهان فورًا الوساطة العُمانيَّة الَّتي تؤدي دَوْرًا محوريًّا ومميزًا في إقرار السَّلام في المنطقة، وذلك لعدَّة أسباب استراتيجيَّة وسياسيَّة جعلتْ سلطنة عُمان وسيطًا مقبولًا لدَى أطراف النِّزاعات، خصوصًا في منطقة الشَّرق الأوسط. ومن هذه الأسباب الحياديَّة السِّياسيَّة وعدم الانحياز، حيثُ تتبع سلطنة عُمان سياسة خارجيَّة قائمة على الحياد وعدم التدخُّل في شؤون الآخرين، ممَّا أكسبها ثقة العديد من الأطراف المتنازعة، وبرز هذا في العديد من القضايا مثل ملف المفاوضات الإيرانيَّة الأميركيَّة (5+1) ونجاحها، ولأنَّها قناة تواصُل هادئة أدَّت سلطنة عُمان دَوْر الوسيط الهادئ، حيثُ استضافت محادثات سريَّة بَيْنَ إيران والولايات المُتَّحدة قَبل توقيع الاتفاق النَّووي 2015، لِمَا تتميَّز به من موقع استراتيجي وحُسن علاقاتها الإقليميَّة موقعها الجغرافي يعطيها قدرة على التَّواصُل مع الخليج وإيران وباكستان والغرب، ممَّا يُتيح لها التَّواصُل مع جميع الأطراف، وقد عُرف عن سلطنة عُمان تحلِّيها بالمرونة الدبلوماسيَّة حيثُ لم تنجرَّ وراء محاور الصِّراع الَّذي نشبَ في فترات سابقة بَيْنَ إيران وبعض دول الخليج، بل حافظتْ على توازن داخلي وخارجي. إنَّ سلطنة عُمان ليسَتْ فقط «وسيطًا»، بل أصبحتْ عنصرًا أساسيًّا في هندسة التَّهدئة الإقليميَّة بفضل حيادها، وعلاقاتها المتوازنة، وقدرتها على بناء الثِّقة. ومع تصاعد التوتُّرات في الشَّرق الأوسط، يزداد الاعتماد الدّولي والإقليمي على الدَّوْر العُماني لضمانِ خطوط حوار مفتوحة، خصوصًا في الصِّراع الدَّائر حاليًّا والاعتداء الَّذي تمَّ من قِبل الكيان الصُّهيوني الَّذي يهدف إلى جرِّ المنطقة إلى حرب لا منتصر فيها، بل الكُلُّ مهزوم وخاسر. لذلك يبرز هنا الدَّوْر العُماني الفريد الرُّؤية والدبلوماسيَّة حيثُ تُعَدُّ سلطنة عُمان لاعبًا دبلوماسيًّا فريدًا في منطقة الشَّرق الأوسط، حيثُ تمكّنتْ من ترسيخ مكانتها كوسيط موثوق يُعوَّل عَلَيْه في حلِّ النِّزاعات الإقليميَّة والدوليَّة. وقد مكَّنها نهجها السِّياسي المتَّزن من تأدية أدوار حاسمة في ملفات شائكة، أبرزها الملف النَّووي الإيراني، والأزمة اليمنيَّة، والتَّقارب الإيراني الخليجي. إنَّ ما يميِّز الدبلوماسيَّة العُمانيَّة هو التزامها بالحياد وعدم الانخراط في التَّحالفات المتصارعة، فضلًا عن قدرتها على بناء علاقات متوازنة مع مختلف القوى الإقليميَّة والدوليَّة، بما في ذلك إيران، الولايات المُتَّحدة، ودول الخليج. وهنا يبرز السُّؤال المُهمُّ: هل تستطيع السَّلطنة أداء دَوْر أكثر تأثيرًا في إيقاف التَّصعيد الحالي بَيْنَ إيران و(إسرائيل) والَّذي قد يجرُّ المنطقة إلى مواجهة شاملة؟ فالإجابة بكُلِّ تواضع: نعم. فإنَّ سلطنة عُمان لها قِيمة دبلوماسيَّة كبيرة في مثل هذه الأزمات، فيُمكِنها أن تُسهمَ في إيقاف هذه الحرب أو على الأقلِّ الحدّ من تصعيدها، لعلاقاتها المتوازنة مع إيران وهي علاقات دبلوماسيَّة قويَّة وتاريخيَّة من التَّعاون، ممَّا يجعلها وسيطًا مقبولًا للطرفين في حال وجود نيَّة للتَّفاوض أو التَّهدئة، كما فعلتْ سابقًا في نقلِ رسائل بَيْنَ طهران وواشنطن سهلتْ من مفاوضات الاتفاق النَّووي ويُمكِنها اليوم أن تُعيدَ هذا الدَّوْر بَيْنَ إيران و(إسرائيل) لإيقاف مخاطر توسُّع الحرب إلى حرب إقليميَّة، ستؤدي إلى فوضى لا يُمكِن السَّيطرة عَلَيْها. إنَّ سلطنة عُمان قد لا تستطيع «إيقاف الحرب» وحدها، لكنَّها تملك القدرة على منع التَّصعيد وكسر الجمود الدبلوماسي، بالإضافة إلى فتح نوافذ للحوار وذلك عَبْرَ تحرُّك هادئ، حذر، غير استعراضي، يعتمد على ثقة الأطراف فيها، وهو ما تتميَّز به دبلوماسيَّتها منذُ عقود.
جودة مرسي
من أسرة تحرير «الوطن»