الخميس 19 يونيو 2025 م - 23 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن: جهود عمانية للاستثمار فـي الأرض والهوية

الثلاثاء - 17 يونيو 2025 05:25 م

رأي الوطن

320

تخوضُ سلطنة عُمان تجربةً تنمويَّة فريدة في قِطاع السِّياحة، تستند إلى شراكة واعية بَيْنَ الدَّولة والمستثمِر، من خلال نظام (حقِّ الانتفاع) الَّذي أثبتَ فعاليَّته في تحفيز المشاريع النَّوعيَّة عَبْرَ مختلف المحافظات، هذا التَّوَجُّه يفتح المجال أمام الاستثمار في الأرض كمورد وطني يَجِبُ إدارته بحكمة، ويوظِّف الخصوصيَّة الجغرافيَّة والثَّقافيَّة لكُلِّ منطقة في إيجاد تجربة سياحيَّة ذات طابع محلِّي. فالعُقود الَّتي جرَى توقيعها خلال الفترة الماضية تُشكِّل دفعةً جديدة نَحْوَ إعادة تعريف السِّياحة كأداة إنتاج لا مجرَّد خدمات ترفيهيَّة، وما يحدُث على أرض الواقع هو بناء لرؤية اقتصاديَّة أوسع، تتناغم مع أهداف رؤية «عُمان 2040»، وتستهدف تحسين جودة الحياة، وجذب الزَّائر عَبْرَ تجربة تنسجم مع البيئة والمكان، وتكرِّس الانتماء أكثر من الاستهلاك، فالأرض تُدار بفكرٍ استراتيجي يربط بَيْنَ التَّنمية والاستدامة، ويمنح كُلَّ منطقة فرصتها في أنْ ترويَ حكايتها الخاصَّة للزوَّار. وتمضي سلطنة عُمان في قلبِ هذا التَّحرُّك ضِمْن خطَّة استثماريَّة طموحة تهدف إلى جذب ما يصل إلى (3) مليارات ريال عُماني خلال الخطَّة الخمسيَّة العاشرة، واستطاعتْ حتَّى الآن تسجيل استثمارات بقِيمة (2.59) مليار ريال، ما يعكسُ حالةً من الثِّقة المُتبادلة بَيْنَ القِطاعَيْنِ العامِّ والخاصِّ. واللافتُ أنَّ هذه الجهود لا تَترك المؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوسِّطة على الهامش، لكن تسعَى لإدماجها في سلاسل القِيمة السياحيَّة؛ لِتكُونَ جزءًا من البناء لا مجرَّد متفرج، والمشاريع الَّتي تمَّ توقيعها منذُ بداية عام 2024 وحتَّى نهاية مايو 2025 والَّتي بلَغَ عددُها (45) مشروعًا، مِنْها (14) مشروعًا في هذا العام وَحْدَه، تشمل فنادق، مُخيَّمات بيئيَّة، منتجعات سياحيَّة بمستويات مختلفة، وتغطِّي عددًا من محافظات السَّلطنة، وهذه التَّوزيعة لا تأتي بالمصادفة، إنَّما تعكسُ سياسة توازن تهدف إلى ضخِّ التَّنمية في كُلِّ الجهات، وإشراك المُجتمع المحلِّي في حركة التَّغيير الاقتصادي والاجتماعي. ما يُميِّز هذه المشروعات أنَّها تفتح أبوابًا واسعة لتجارب سياحيَّة متكاملة تُعبِّر عن التَّنوُّع الثَّقافي والطَّبيعي لعُمان، حيثُ يتمُّ العمل على تقديم نماذج جديدة من السِّياحة تتجاوز ما اعتاده الزَّائر، وتدمج بَيْنَ الرَّاحة والاكتشاف، وبَيْنَ التَّرفيه والهُوِيَّة.. فتنوُّع المواقع من الجبال إلى السَّواحل، ومن الصَّحراء إلى الأودية، يخلق فرصًا لإعادة تشكيل خريطة الاستثمار السِّياحي بطريقة تُعزِّز القِيمة المُضافة، وتدعم الأنشطة المحليَّة، وتزيدُ من فرص التَّوظيف للمواطنين. فالمشروع السِّياحي لم يَعُدْ مجرَّد مبنى، بل أصبح منصَّة لنهضةٍ اجتماعيَّة واقتصاديَّة، وكُلُّ تجربة تُبنَى اليوم هي وعدٌ بتحوُّل طويل المدَى يُسهم في تقوية الاقتصاد، وتحقيق الفائدة للمُجتمع، ويزيدُ من جاذبيَّة السَّلطنة كمقصدٍ يتحدَّث بلُغته الخاصَّة ويستقبل زوَّاره بكرمِ المكان والنَّاس. إنَّ هذه المشروعات تندرج ضِمْن رؤية شاملة لتحقيقِ توازن مدروس بَيْنَ الطَّلب المتزايد والعَرض المُتاح، بما يَضْمَن عدم حدوث تشبُّع غير منتِج، ويُتيح تقديم خدمات عالية الجودة تُواكب تطلُّعات السيَّاح، حيثُ الأُفق مفتوح لتوسيع الطَّاقة الاستيعابيَّة عَبْرَ زيادة الغُرف الفندقيَّة، وتحسين نَوعيَّة الخدمات، وتوفير تجارب مُتخصِّصة في السِّياحة البيئيَّة والمغامرات والتَّاريخ والثَّقافة، ووزارة التُّراث والسِّياحة تَبْني هذه الرُّؤية بالاعتماد على شراكة حقيقيَّة مع القِطاع الخاصِّ، وتؤمن بأنَّ نجاح التَّنمية السِّياحيَّة يُقاس بمدَى شعور المواطن بثمارها؛ لذلك تُواصلُ الوزارة إطلاق مبادرات جديدة، وتوفير تسهيلات تفتح الأبواب لمشاريع تنسجم مع البيئة المحليَّة، وتحترم طابعها الاجتماعي والثَّقافي، فعُمان تمضي نَحْوَ مستقبل تصبح فيه السِّياحة رافعةً اقتصاديَّة، وأداةً لتعميقِ الانتماء، ومسارًا لإعادة اكتشاف الذَّات والمكان.