الأخطاء المتكررة.. أسلوب اللعب.. القراءة المتأخرة.. أبرز أسباب ضياع التأهل المباشر
المعسكرات الطويلة لم تأت بأكلها.. والمبالغة فـي احترام المنافس وغياب الجرأة جاء عكسيا
متابعة ـ صالح البارحي :
نجح منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم في تجاوز المرحلة الثالثة من التصفيات النهائية المؤهلة لمونديال 2026م عبر الملحق الآسيوي رفقة منتخبات قطر والسعودية والعراق والإمارات وإندونيسيا، هذا التأهل لم يأت إلا عن طريق ولادة قيصرية على حساب منتخب فلسطين الشقيق في العاصمة الاردنية عمّان، بفضل ذلك الهدف الذي سجله عصام الصبحي من ركلة جزاء في آخر 30 ثانية من الوقت بدل الضائع والذي جاء بهذا التأهل الصعب للغاية، منتخبنا لم يكن بحاجة إلى تلك الضغوطات النفسية حتى اللحظات الأخيرة، وكان من المنطقي جدا أن يصعد للمونديال بشكل مباشر إلا أنه فضل أن يفقد نقاطا ثمينة بأقل مجهود للفرق المنافسة، وخاصة لقائي العراق ذهابا وإيابا ولقائي الاردن ذهابا وإيابا كذلك، وهي (12) نقطة كاملة خسرها الفريق أمام المنافسين المباشرين فأفقدته الفرصة تماما لتحقيق ذلك الحلم الذي كان الجميع يأمل في أن يكون فاتحة خير للكرة العمانية.
الآن .. نحن على المحك وفي معمعة أخرى قد لا نكون فيها بالنجاعة الكاملة التي تؤهلنا للتواجد بين الكبار، فما مضى كان أسهل عما هو قادم في الملحق (المرهق)، ولكن لا يجب أن نتخلى عن حلمنا بل على العكس، فقد بات علينا التمسك به والعمل على تحقيقه بكل ما أوتينا من قوة ووسائل مساندة، فهذا الجيل من نجوم الكرة العمانية يستحق أن يتواجد بين الكبار، فقد مروا بظروف كثيرة منها الجيد ومنها المحزن، وفي كليهما دروس يجب أن يستفاد منها، خاصة وأن الملحق الآسيوي أشبه ببطولة كأس خليج مصغرة، وهذا ما سيجعل المنافسة قوية ولها طابع خاص بعيدا عن أي مقارنات أو فروقات، خاصة وأن الحلم لا زال مستمرا وعلينا عدم التخلي عنه، وأن يكون هذا الصعود (الصعب) بمثابة دافع معنوي قوي لتحقيق المبتغى بإذن الله تعالى.
أخطاء بلا حلول
بكل صراحة وشفافية، ما افقد منتخبنا فرصة التأهل المباشر عدة عوامل أهمها تكرار الأخطاء وعدم معالجتها، وهذا يقع على عاتق الجهاز الفني الذي كان عاجزا تماما عن إجراء أي جديد على الفريق، وكأنه يكتفي بلعب المباريات فقط بعيدا عن دراسة ما تسبب في نزيف النقاط بمباريات سابقة، أو معالجتها بالطريقة المثالية التي قد تكون سببا في الدخول في معمعة صراع الكبار، وأعني هنا تلك الاخطاء الدفاعية الكارثية التي تسببت في ضياع تلك النقاط وبشكل متواصل وبدون ردة فعل للأسف، فالهدف الذي ولج مرمى منتخبنا أمام العراق في البصرة كان خطأ دفاعيا ساذجا من ركلة ركنية، والهدف الذي سجله منتخب فلسطين في المباراة الاخيرة جاء بذات السيناريو، وهذا يعني أن الجهاز الفني لم يتدخل في هذه المعضلة وهي تمركز المدافعين بالشكل الصحيح عند الكرات الركنية، ما يعني أن الفترة من المباراة الاولى وحتى آخر مباراة بهذه المرحلة أي من 5 سبتمبر 2024 وحتى 10 أكتوبر 2025م ما يقارب من سنة وأربعين يوما، كل هذه الفترة لم يجد فيها رشيد جابر أي حل لهذه المعضلة، بل واصل نهجه في العمل الدفاعي بذات الاخطاء دون جديد، وخاصة الكرات العرضية .
العامل الثاني هو ضعف العمق الدفاعي، ليس من ناحية الافراد، بل من ناحية طريقة اللعب والادوار التي تسند للاعبين في هذا الخط، وكيفية توزيع الادوار بينهم، كل هذه الامور تواصلت دون أي جديد ، فثلاثية كوريا الجنوبية بالدور الأول هي عنوان رئيسي لهذه الاخطاء والتي كانت بقيادة شيلافي حينها، ورباعية الاردن في عمّان نسخة بالكربون من تلك السذاجة في الخط الخلفي، وجاءت ثلاثية الاردن في مسقط بمثابة التأكيد على أن الجهاز الفني لم يقم بأي دور في البحث عن حلول ناجعة لتجاوز هذه المعضلة خاصة بعد اعتزال محمد المسلمي، واتضح أمام الجميع بأن رشيد جابر كان يجرب ويختبر هذا ومرة ذاك، لكن النتيجة واحدة وهي خسائر ثقيلة جدا لم نكن نراها في السابق خاصة على المدى القريب، خاصة من بعد رحلة الاحمر مع الراحل فيربيك ثم برانكو باستثناء محطة شيلافي مع كوريا الجنوبية . العامل الثالث طريقة وأسلوب اللعب الذي يدخل به رشيد جابر المباريات الهامة والتي تحتاج إلى جرأة وعدم تحجيم قدرات لاعبينا مقارنة بالهدف المطلوب من هذه المباراة أو تلك، وهذا اتضج تماما في لقاء الاردن في عمّان الكارثي، ولقاء الاردن في مسقط، ولقاء العراق في مسقط، وحتى مباراة فلسطين الاخيرة، هذا الاسلوب أظهر منتخبنا بلا أنياب وأظهره عاجزا عن تقديم شي جديد، ومنذ نعومة أظافرنا كنا نسمع بأن (الهجوم خير وسيلة للدفاع) إلا أن مدربنا لم يكن يعيرالهجوم أي أهمية، بل يواصل العمل على نفس النهج الذي أظهر الاحمر عاجزا عن تقديم الافضل رغم الامكانيات الموجودة لدى لاعبينا وقدراتهم على إرهاق الفريق المنافس وتقديم مباراة تليق بهؤلاء اللاعبين، هذا الأسلوب (الغريب) كان سببا في ضياع نقاط هذه المباريات والتي ساهمت بشكل مباشر في خسارتنا التأهل المباشر رفقة كوريا الجنوبية، بل ساهم في تسليم الراية مباشرة للاردن ومن بعده العراق لنيل هذا الشرف، فالاردن حصل من أمامنا على (6) نقاط كاملة وسببها رشيد جابر بشكل مباشر، والعراق حصل على (6) نقاط كاملة تسبب فيها شيلافي ورشيد بالتساوي . العامل الرابع هو طول فترة المعسكرات التي يتواجد فيها منتخبنا بلا مبرر، الوقت الحالي ليس كسابقه، فالمعسكر الطويل الذي نلعب خلاله مباريات ودية والتي يفترض أنها تمنح الاحمر شكلا جديدا وتصقل لاعبين وبالتالي تهيئة الفريق للمباريات الرسمية لم تأت بجديد ولم تحقق أي هدف، بل على العكس تماما تظهر الفريق في المباريات الرسمية حملا وديعا وكأن اللاعبين تجمعوا قبل يومين فقط من المباراة، وهذا أمر سلبي لا يجب أن يستمر بهذا الشكل بالمرحلة القادمة، وهناك عوامل أخرى سيأتي الحديث عنها في وقت لاحق إذا ما استمر الجهاز الفني الحالي على رأس عمله .
قراءة متأخرة
تسببت القراءة المتأخرة للجهاز الفني لمنتخبنا بقيادة رشيد جابر في خسارة المباريات التي فقد فيها الاحمر نقاطها كاملة وأهمها أمام العراق (إيابا) والاردن ذهابا وإيابا، وقبل تلك القراءة الغريبة والمتأخرة سواء من ناحية التغييرات أو من ناحية تفنيد مكامن قوة وضعف المنتخب المنافس هو ذلك الإسلوب وطريقة اللعب التي يدخل بها المدرب مباريات الحسم والتي كان من الممكن أن تضعنا في المونديال لو حققنا انتصارا واحدا على الأقل من بين الثلاث خسائر التي تلقاها منتخبنا أمام الفريقين المنافسين المباشرين، فلا أجدني أستسيغ تلك البداية الدفاعية والتحفظ الكبير الذي يبدأ به المدرب سواء خارج الديار أو داخلها ، فتجد الفريق بلا شكل هجومي إطلاقا، بل على العكس تماما تجده مدافعا بشكل عشوائي نظرا لكثرة اللاعبين في الدفاع ومعهم حارب السعدي وارشد العلوي الذين يتقيدا بالدور الدفاعي تماما دون أي دور هجومي يفترض أن يكون حاضرا منهما في تلك المباريات الحاسمة، وحتى مع ولوج هدف في شباك منتخبنا لا يأتي الرد سريعا من الجهاز الفني بل يواصل العمل على ذات النهج دون حراك ، ما يضع منتخبنا تحت الضغط الغير مبرر وبالتالي تلج شباكه أهدافا أخرى وهذا ما حدث في مباراتي الاردن ذهابا وإيابا والعراق في مسقط، وحتى فلسطين في اللقاء المصيري في الاردن بالجولة الاخيرة، ما حرم لاعبينا من إظهار قدراتهم الكاملة، على الرغم من وجود حلول هجومية تمتلك الكثير من الجوانب الايجابية لتفادي تلك الخسائر التي حرمتنا التواجد في صراع الكبار من هذه التصفيات . منتخبنا في المباريات الثلاث التي خسرها أمام المنافسين كان يفتقد إلى مبدأ المغامرة من قبل الجهاز الفني أو بالأحرى الجرأة، لكن ذلك لم يحدث من قبل المدرب وواصل الفريق العمل بذات النهج دون ردة فعل فخسرنا كل شي وبشكل غريب وعجيب لا يمت لقدرات لاعبينا بأي صلة بعد أن تم تحجيمها في وضع مختلف عما يمتلكونه خاصة في الشق الامامي المليء باللاعبين المجيدين .
صعوبة العودة
في المباريات الهامة جدا وأمام المنافسين المباشرين (العراق والاردن) لم يتمكن منتخبنا من العودة للمباراة بعد التأخر، وهذا عيب كبير في منظومة الفريق ولا يجب أن تستمر، فالخسارة بهدف هي ذاتها الخسارة بأكثر، فالنقاط الثلاث هي الاهم بالنسبة لكافة الاطراف، خاصة في التصفيات وليس التقليل من الاهداف التي تلج مرماك، وتجد منتخبنا بعد أن يلج شباكه هدف يرفع الراية البيضاء بشكل غريب وعجيب وهذا ما حدث في مباراة الاردن بمسقط على وجه التحديد وقبلها الاردن في عمّان، فزادت غلة الاهداف وأصبح من الصعوبة العودة للمباراة نظرا للتمسك بذات النهج حتى دقائق متأخرة من عمر اللقاء، وحتى مباراة العراق في مسقط لم نجد أي ردة فعل بعد هدف التقدم للعراق بل تواصل العمل بالشكل الغريب المتبع . العودة في مباراتي كوريا الجنوبية وفلسطين جاءت بعد أن تجرأنا على الهجوم على مرمى المنافس، فالتعادل أمام كوريا جاء بواسطة علي البوسعيدي الظهير الايسر بعد أن تقدم للأمام وهو الذي يمتلك حلولا جيدة سواء في التمرير أو التسديد، حيث بتقدمه ذلك ساهم في زيادة عدد اللاعبين في الخط الامامي وبالتالي عودة الدفاع الكوري وارتباكه في التوقيت القاتل، وحتى هدف التعادل أمام فلسطين جاء بعد أن تجرأ الفريق على التوجه للأمام رغم ان الاحمر يلعب بعشرة لاعبين فقط بعد طرد حارب السعدي في توقيت صعب للأحمر، إذن قدرات لاعبينا وإمكانياتهم الفردية والسرعة التي يمتلكونها كفيلة أن تربك حسابات أي فريق إذا ما منحت الفرصة للتحرر من تلك القيود العتيقة التي لم تأت لمنتخبنا إلا بمشهد لا يليق بسمعته إطلاقا وحرمتنا من تأهل كان مستحقا عطفا على الكثير من المشاهد والدلائل التي رافقت مسيرته .


