الثلاثاء 17 يونيو 2025 م - 21 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن: تحرك دبلوماسي يرسم إطارا للمسؤولية

الاثنين - 16 يونيو 2025 05:28 م

رأي الوطن

50

كُلُّ ما يحدُث من توتُّر في الإقليم منذُ عُقود يعود إلى أصلٍ واحد لم تتمَّ مساءلته يومًا كما يَجِبُ، إنَّه الاحتلال الصُّهيوني، فمِن فلسطين إلى لبنان، ومِن طهران إلى عُمق البحر الأحمر، لا تتوقف آلةُ التَّصعيد عن الدَّوَران. والاعتداء الأخير على أراضٍ إيرانيَّة ذات سيادة يُمثِّل امتدادًا لنهجٍ استخدم القوَّة لأطول مُدَّة دُونَ حساب، حيثُ سمحَ كيان الاحتلال الصُّهيوني المارق لِنَفْسِه بتخطِّي كُلِّ الخطوط، فلا يُمكِن اعتبار هذا الاعتداء فعلًا منفصلًا، لكنَّه جزء من منطق قائم على الاستعلاء العسكري والغطاء السِّياسي الَّذي وفَّرته بعض القوى الكبرى، وكُلُّ مَن تابعَ المشهد الإقليمي منذُ بداية هذا العام يعرف أنَّ غزَّة كانتْ مسرح الجريمة المفتوح، وإيران صارتْ حلقة إضافيَّة في السِّلسلة ذاتها. ومن هذا المُنطَلق ترَى سلطنة عُمان الصُّورة كاملة، وتحذِّر من أنَّ الصَّمْتَ عن هذا النَّهج هو تأشيرة مفتوحة للفوضى القادمة، والحديث عن الأمن دُونَ مواجهة أصلِ العدوان هو تجاهل للواقع، فلا استقرار مع طرفٍ لا يعترف إلَّا بالقوَّة، ويرَى السِّيادة حدودًا قابلةً للخرق. ويأتي الموقف العُماني في ظلِّ اللَّحظة المُلتهبة، حيثُ تحرَّكتِ السَّلطنة بأدواتها الَّتي عُرفتْ بها منذُ سنوات، وهي الحكمة والتَّوقيت المدروس، وعَقدتْ سلسلة لقاءات واتِّصالات تحمل ملامح قرار واضح بعدم السَّماح بجرِّ الإقليم إلى سيناريو مدمِّر جديد، وعلى رأس تلك الاتِّصالات الاتِّصالان اللَّذان تلقَّاهما حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ من قيادتَي ألمانيا وتركيا، إلى جانب الزِّيارة المباشرة لوزير الخارجيَّة الألماني إلى مسقط، والَّذي جاء في وقتٍ لم يَعُدْ يَحتمل بيانات عامَّة أو عبارات مُجاملة. وعَلَيْه، تحوَّل الموقف العُماني من التَّرقُّب إلى التَّحرُّك، ومن المشاهدة إلى الفعل المباشر، مستندًا إلى قراءة دقيقة لطبيعة التَّصعيد.. فهذا الحضور لم يكُنْ ردَّ فِعل طارئًا، وإنَّما تعبير عن مسؤوليَّة تتقدم حين يتراجع الآخرون، حيثُ الواقع يقول إنَّ العالَم يعيش في دوَّامة شللٍ سياسي، وإنَّ مساحة الفعل أصبحتْ ضيِّقة، لذا سَعَتْ عُمان إلى أنْ تسبقَ الانفجار، وتُحاولَ دفْعَ العالَم لِتَذكُّر قواعد القانون قَبل أنْ تطيحَ بها الحسابات الخاطئة. ولم تكتفِ سلطنة عُمان بردود الأفعال، بل بادرتْ إلى حراكٍ سياسي يُعِيدُ ترتيب مفاهيم العدالة في زمنٍ اختلطَ فيه الضحيَّة بالجلَّاد، ولعلَّ ما قام به معالي السَّيد بدر بن حمد البوسعيدي من اتِّصالات مع وزراء خارجيَّة دوَل شقيقة وصديقة لم يكُنْ حملة علاقات عامَّة، بل خطوة لإعادة الاعتبار للموقفِ الأخلاقي الَّذي تغيَّب كثيرًا عن مشهد السِّياسة، فالعدوان على إيران وجرائم غزَّة وجهان لعقليَّة واحدة لا ترَى حدودًا لقوَّتها، وتتمادَى كُلَّما شعرتْ أنَّ العالَم منشغل بِنَفْسِه، وهنا يُذكِّر الموقف العُماني الجميع بأنَّ القانون ليس فكرة نظريَّة، وأنَّ السِّيادة لا تُنتزع من على المكاتب، بل تُصان بالمواقف الشُّجاعة، هذا الحراك هدفه مَنْع ولادة أزمة جديدة على حساب الشُّعوب، ومَن لا يتحرك اليوم، قَدْ يجد نَفْسَه غدًا وسط أزمة لم يُخطّطْ لها، لكنَّها جاءتْ نتيجة صَمْتِه الطَّويل. إنَّ المشهد الدّولي مأزوم، ومتورِّطٌ في ازدواجيَّة لم تَعُدْ تخفَى على أحَد، والموقف العُماني يُعَبِّر عن إدراك عميق بأنَّ ترك الأمور دُونَ مراجعةٍ سيَقُودُ الجميع إلى هاويةٍ مشتركة، لذا حين تتحدَّث السَّلطنة عن الاعتراف الكامل بالدَّولة الفلسطينيَّة، فهي تستند إلى حقيقة جليَّة وواضحة وهي أنَّ تغييبَ الحقِّ هو أصْلُ كُلِّ صراع، والموقف من العدوان على إيران يَجِبُ أنْ يتجاوزَ لُغة التَّبرير، فالقصف خرقٌ واضح لكُلِّ الأعراف، وسلطنة عُمان بتاريخها ووزنها السِّياسي، تضعُ ملف العدالة في صُلب النِّقاش، وتفتح طريقًا مختلفًا عن تلك الطُّرق الَّتي سار فيها الإقليم مرارًا وفشلتْ، هذه رؤية تستند إلى الوقائع؛ لمحاولة موازنة شكليَّة بَيْنَ الضحيَّة والجلَّاد، كما فعلَ الجميع، ومَن لا يرَى أنَّ الاحتلال هو المُشْكلة سيبقَى يبحثُ عن حلولٍ وسطِ الرُّكام، والمُجتمع الدّولي أمام اختبار جديد، إمَّا أنْ يصونَ القِيَم الَّتي يتغنَّى بها، أو يُسلمَ بالمزيد من الفوضى الَّتي لا توفِّر الأمان لأحَدٍ.