الثلاثاء 17 يونيو 2025 م - 21 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

عمان تقدم نموذجا للعمل التطوعي وقت الأزمات

عمان تقدم نموذجا للعمل التطوعي وقت الأزمات
الاثنين - 16 يونيو 2025 04:59 م

نجوى عبداللطيف جناحي

10

لا تخلو الحياة من الأزمات، فتلك سنَّة الله في خلقه، حيثُ تكثر المهددات والمخاطر الَّتي تلمُّ بهذه الأرض بَيْنَ الفينة والأخرى، فأحيانًا تكُونُ هذه المخاطر بسيطة، وأحيانًا متوسطة وأحيانًا أخرى تكُونُ المخاطر عالية وهي تلك المخاطر الَّتي تهدد الضروريَّات الخمس وهي: الدِّين، والنَّفْس، والعقل، والنَّسل، والمال، وتتنوع تلك المخاطر، فمِنْها طبيعيَّة كالفيضانات والبراكين والفيروسات والزلازل، ومِنْها غير طبيعيَّة كالحروب، وتلوُّث البيئة، وخلال فترة وقوع تلك الكوارث تبرز أهميَّة العمل التَّطوُّعي.

ويقصد بالعمل التَّطوُّعي هو بذل الوقت والجهد والمال لخدمة النَّاس ومساعدتهم وإنقاذ أرواحهم دُونَ مقابل، وما يفرق العمل التَّطوُّعي في حالات السِّلم والأمان عن العمل التَّطوُّعي أثناء الأزمات، هو سرعة الاستجابة والمبادرة السليمة وحُسن التصرُّف. إنَّ تطوُّع الفرد أو مجموعة من أفراد المُجتمع أثناء الأزمات، يُعَدُّ عملًا إنسانيًّا نبيلًا، فهو صورة من صور التكافل الاجتماعي، الَّذي يُحقق التَّماسُك في المُجتمع، ويعمِّق الشعور بالأمن والأمان لدى الفرد، وهو شاهد حي على مدى قوَّة المُجتمع وصلابته في مواجهة الأزمات.

ولطالما مرَّ العالَم بأزمات ومهددات لحياة البَشَر نذكر مِنْها أزمة انتشار فيروس (كورونا ـ كوفيد19) الَّذي أودى بحياة الآلاف من البَشَر، ممَّا اضطر النَّاس للتباعد الاجتماعي، والانعزال في المنزل، كما أثَّر انتشار هذا الفيروس سلبًا على الحياة الاقتصاديَّة فأفلستْ بعض الشَّركات، وخسر الكثير من النَّاس وظائفهم فوجدوا أنْفُسهم فجأة في دائرة الفقر، وهنا برز دَوْر العمل التَّطوُّعي حيثُ هبَّ الشَّباب والكبار والنِّساء والرِّجال متطوِّعَين للمساعدة، فقاموا بحملات تطوُّعيَّة لتوعية النَّاس، وتعقيم الأماكن العامَّة، وتوزيع الكمامات والقفازات، والمساعدة في إجراء فحصوات (كورونا) في الأماكن العامَّة، لوقاية النَّاس لمساعدة المصابِينَ في هذا الفيروس، وتقديم العمل الخيري للمحتاجين الَّذين خسروا وظائفهم. لقد برز أثَر العمل التَّطوُّعي خلال هذه الأزمة وقدَّم المتطوِّعون نموذجًا لأهميَّة التَّطوُّع للحفاظ على تماسك المُجتمع أثناء الأزمات.

ولنَا قراءة في نموذج مميَّز لِدَوْر التَّطوُّع خلال الأزمات في سلطنة عُمان، فخلال فترة الأعاصير الَّتي ألمَّتْ بالسَّلطنة مِثل إعصار (جونو) وإعصار (فيت) وإعصار (شاهين) قدَّم المتطوِّعون نموذجًا رائعًا لِدَوْر التَّطوُّع في تخفيف تبعات الأزمات، ففي كُلِّ مرَّة يهبُّ العُمانيون للتطوُّع لإنقاذ كُلِّ ما يُمكِن إنقاذه، فيمدون يد العون لكُلِّ مَن يحتاج، فيشاركون في عمليَّة إجلاء السكَّان في المناطق المتضررة، وفي إزالة الرُّكام وفتح الطُّرقات، وتقديم المساعدات العينيَّة للمتضررين، وتعويضهم عن الخسائر الَّتي ألمَّتْ بهم، صانعِين بذلك شاهدًا على التَّماسُك والترابط المُجتمعي العُماني، ودليلًا على أنَّ التَّعاون في المُجتمع هو البلسم الَّذي يداوي كُلَّ الجروح وهو السَّد المنيع في وَجْه المخاطر، ونموذجًا لتلاحم القيادة مع الشَّعب وقت الأزمات.

إنَّ تفعيل الفِرق التَّطوُّعيَّة وقت الأزمات وتعزيز تكاملها مع القِطاع الحكومي والخاصِّ لا يكُونُ وليد اللَّحظة أثناء الأزمات، بل هو ثمرة الإعداد المسبق للمتطوِّعِين لكيفيَّة التَّعامل مع الأزمات، فهذا الإعداد المسبق يزيد من فاعليَّة التَّطوُّع أثناء وقوع الأزمات، فَهُم مدرَّبون على العمل الفريقي، والتَّنسيق الفَوري للجهود مع القِطاعيْنِ العامِّ والخاصِّ، وتوافر المعدَّات وأدوات السَّلامة الَّتي تحفظ حياة المتطوِّعِين، فالبرامج التأهيليَّة التدريبيَّة الَّتي ترفع جاهزيَّة الفِرق التَّطوُّعيَّة أمْر بالغ الأهميَّة، كما أنَّ لتأسيس قاعدة البيانات للمتطوِّعِين دَوْرًا فاعلًا لضمانِ جاهزيَّة الفِرق وقت الحاجة.

نَعم.. إنَّ إعداد الفِرق التَّطوُّعيَّة لمواجهة الأزمات لا يكُونُ من باب الرَّفاهيَّة، ولا نشاطًا هامشيًّا، بل هو ضرورة وطنيَّة تُعزِّز الاستجابة السَّريعة وتُسهم في تقليل الخسائر البَشَريَّة والماديَّة أثناء الأزمات. كما أنَّه يزرع في النفوس حُب العطاء، ويقوِّي قِيَم الانتماء والإحساس بالمسؤوليَّة تجاه الوطن.

نَعم.. في كُلِّ أزمة، يظهر وَجْه عُمان المضيء؛ لِيقدِّمَ المتطوِّعون العُمانيون نموذجًا للعمل التَّطوُّعي الفاعل، هم متطوِّعون لا يسألون جزاءً ولا شكورًا، فَهُم يمدُّون يَدَ العون بحُب، ويجسِّدُونَ أجْمَل معاني التَّضامن بَيْنَ القيادة والشَّعب، وبَيْنَ أفراد المُجتمع بعضهم ببعض. فلْتكُنْ ثقافة العمل التَّطوُّعي حاضرةً في المناهج الدراسيَّة، وفي العمل المؤسَّسي لجميع المؤسَّسات، بل وحتَّى في أحاديثنا اليوميَّة... ودُمْتُم أبناء قومي سالِمِين.

نجوى عبداللطيف جناحي

كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية

متخصصة في التطوع والوقف الخيري

[email protected]

Najwa.janahi@