الاثنين 16 يونيو 2025 م - 20 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن: تقدم فـي توطين الصناعات الغذائية

الأحد - 15 يونيو 2025 05:44 م

رأي الوطن

20

في زمنٍ تتسارع فيه التَّحدِّيات الاقتصاديَّة والبيئيَّة، لم يَعُدْ تحقيق الأمن الغذائي رفاهيَّة أو مطلبًا ظرفيًّا، لقَدْ تَحوَّل إلى ضرورة وطنيَّة ترتبط مباشرةً بالاستقرار والسِّيادة، وتَحوَّل الغذاء من سلعةٍ تسعَى هذه الدَّولة أو تلك للحصول عَلَيْها إلى أداة قوَّة ناعمة وأحَد مُحدِّدات الثِّقة في قدرة الدوَل على حماية شعوبها وقت الأزمات. ومن هذا المُنْطلق تعمل سلطنة عُمان على تحقيق الأمن الغذائي المنشود، وقَدْ بدأتْ فعليًّا في بناء بنية إنتاجيَّة قادرة على تأمين احتياجاتها، ودعم مخزونها الاستراتيجي، وتعزيز سلاسل التَّوريد المحليَّة، فقِطاع الصِّناعات الغذائيَّة يُمثِّل البوَّابة الأهمَّ نَحْوَ هذا الهدف، ليس فقط لارتباطه بمائدة المواطن، بل لأنَّه يتقاطع مع الزِّراعة، والتَّخزين، والنَّقل، والتقنيَّات الحديثة. وما نشهده اليوم من اهتمام رسمي بهذا القِطاع يعكسُ وعيًا مُتقدِّمًا بِدَوْره في رسم ملامح المستقبل، وترسيخ مكانة السَّلطنة في محيطها كمركز متقدِّم للإنتاج والتَّصنيع الغذائي عالي الجودة. الأرقام تتحدث عن نَفْسِها، وتعكسُ حجمَ الجهد المبذول لترسيخِ هذا القِطاع كأحَد أعمدة التَّنمية الصِّناعيَّة، وبحسب الإحصائيَّات الصَّادرة عن المؤسَّسة العامَّة للمناطق الصِّناعيَّة «مدائن»، بلغ حجم الاستثمارات في قِطاع الصِّناعات الغذائيَّة أكثر من (164) مليون ريال عُماني، عَبْرَ (98) مشروعًا موزَّعًا على مُدُن صناعيَّة مُتعدِّدة. هذه المشروعات تُقام على مساحة تتجاوز مليونًا ونصف المليون متر مربَّع، وتوفِّر أكثر من (3600) فرصة عمل، ما يجعلها أحَد أبرز روافد سُوق العمل العُماني. ومن المُهمِّ الإشارة إلى أنَّ هذه الأرقام لا تُمثِّل نهاية الطَّريق، وإنَّما تعكس مرحلة تأسيس راسخة لقِطاع واعد، يتَّسع لأفكار استثماريَّة جديدة محليَّة وأجنبيَّة، والشَّراكة الَّتي تَقُودها (مدائن) مع وزارة الثَّروة الزِّراعيَّة والسَّمكيَّة وموارد المياه تُمثِّل إطارًا تكامليًّا يهدف إلى تسريع وتيرة تطوير هذا القِطاع وتحقيق أهدافه الاستراتيجيَّة ضِمن مسارات رؤية «عُمان 2040» الطَّموحة. النَّتائج المُسجَّلة خلال الأشْهُر الخمسة الأُولى من عام 2025 تكشف عن تحوُّل نَوْعي في مسار توطين الاستثمارات داخل قِطاع الصِّناعات الغذائيَّة، فقَدْ تمَّ تسجيل (13) مشروعًا جديدًا باستثمارات تجاوزتْ (14) مليون ريال عُماني، على مساحة تتجاوز (224) ألف متر مربَّع، مُوَزَّعة بَيْنَ صناعات الزُّيوت النَّباتيَّة، والمياه، والتُّونة، والطَّحين، والتَّغليف. هذه التَّوسعات تُشير إلى استراتيجيَّة واضحة تستهدف التَّنوُّع، والابتعاد عن النَّمط الأحادي للإنتاج، بالإضافة إلى تخصيص مساحات زراعيَّة داخل المُدُن الصِّناعيَّة في المضيبي وثمريت والسويق، ما يُظهر حرصًا على الدَّمج بَيْنَ الإنتاج الزِّراعي والصِّناعي في بيئة تكامليَّة، مع التَّركيز على التقنيَّات الحديثة، مثل المزارع الذكيَّة، كذلك يسجِّل تعاون (مدائن) مع شركات دوليَّة لإقامة مشروعات نَوْعيَّة، مثل إنتاج الفواكه الكوريَّة، ومقاهٍ تعتمد على المخرجات المحليَّة، وهو توَجُّه يؤكِّد أنَّ القِطاع يستعدُّ للتَّحوُّل من مجرَّد وحدة إنتاجيَّة إلى مساحة إبداع وصناعة وتصدير، كما لا نستطيع إغفال الجهود التَّسويقيَّة الَّتي تُبذل محليًّا ودوليًّا والَّتي تضيف بُعدًا استثماريًّا طويل الأمد. إنَّ قِطاع الصِّناعات الغذائيَّة يُعَدُّ من المحاور الأساسيَّة في الرُّؤية الاقتصاديَّة لعُمان، ويعوَّل عَلَيْه في تحقيق التَّوازن بَيْنَ النُّمو الصِّناعي وتعزيز الأمن الغذائي، حيثُ يمتاز هذا القِطاع بتنوُّع سلاسله، وارتباطه الوثيق بالزِّراعة والتَّوزيع والخدمات اللوجستيَّة، ما يمنحُه قدرة استثنائيَّة على التَّأثير في مؤشِّرات الاقتصاد الكُلِّي، كما لا تنحصر أهميَّته في حجمه أو أعداد مشاريعه فقط، وإنَّما تظهر في مساهمته في رفع كفاءة الإنتاج المحلِّي، وتوفير بيئة خصبة لنُموِّ المؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوسِّطة، إلى جانب دَوْره في تحسين جودة المنتجات وتوسيع نطاق التَّصدير. فالاستثمار في هذا القِطاع يفتح آفاقًا جديدة لتعزيزِ الاكتفاء الوطني، ويُقلِّل من الاعتماد على الأسواق الخارجيَّة، وهو ما ينعكس بشكلٍ مباشر على الميزان التِّجاري والاستقرار الاقتصادي، والتَّركيز على التقنيَّات الحديثة والمزارع الذَّكيَّة ضِمن المناطق الصِّناعيَّة يُمثِّل خطوةً مُتقدِّمة نَحْوَ بناء نموذج إنتاجي متكامل قادر على المنافسة إقليميًّا ودوليًّا.