ما لم تَكُنْ مشاريع ذات طابع عسكري أو أمني فإنَّ أيَّ مشروع تقوم به الحكومة، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا يفترض أن يعْلمَ عَنْه الرَّأي العامُّ الوطني عَبْرَ وسائل الإعلام المختلفة، وذلك عَبْرَ نشر مختلف المعلومات الأساسيَّة مثل (بداية ونهاية المشروع، قِيمته، أطراف التَّعاقد) وهذا التَّوَجُّه له ما بعده من المصالح السِّياسيَّة والثَّقافيَّة الوطنيَّة الَّتي من المفترض كذلك أن تعيها المؤسَّسات المعنيَّة. من جانب آخر لا بُدَّ من الأخذ في الحسبان أنَّ طرح تلك المشاريع القوميَّة يَجِبُ أن يطرح بكُلِّ شفافيَّة وصراحة، وإلَّا فإنَّ غياب أيِّ معلومة غير (سريَّة) سيفتح الباب للشُّكوك والرِّيبة، هذا إذا لم تنعكسْ تلك المعلومات سلبًا فتتسبب بالسّخط والامتعاض الوطني، وهي مسائل غير مقبولة ولا محبَّبة في عمل أيِّ مؤسَّسة أو حيال الخدمات والسِّلع والمشاريع الَّتي تقوم بها، بل يُمكِن أن يفتحَ بابًا للإشاعات والتُّهم بالفساد والتَّربُّح وعدم الشفافيَّة مع المواطنين. إعادة النَّظر بَيْنَ الحين والآخر كذلك حيال صلاحيَّات اعتماد تلك المشاريع الوطنيَّة والقوميَّة الَّتي تُبرمها الحكومة، بالإضافة إلى القوانين الخاصَّة بتأجير أو الاستفادة من الأراضي المملوكة للدَّولة بحيثُ تتمُّ عَبْرَ ضوابط موضوعيَّة وإجرائيَّة أكثر صرامة، أمْر مُهمٌّ للغاية، بحيثُ تتقاسم مسؤوليَّة ذلك مؤسَّسة البرلمان والحكومة إذا تجاوز مبلغ المشروع رقمًا محدَّدًا، وليس ذلك من باب التَّشكُّك في نزاهة المؤسَّسات والأفراد (السُّلطة التَّنفيذيَّة)، بل هو مسألة دستوريَّة وقانونيَّة وطنيَّة من جهة، بالإضافة إلى قدرة هذا التَّوَجُّه على حماية المال العامِّ من مختلف أشكال الجرائم المرتبطة به، يضاف إلى ذلك أنَّ مثل هذا الأمْر سيُسهم في تعزيز الشفافيَّة الحكوميَّة. أمْر آخر على خلاف ضبط المبالغ الماليَّة وهو تأجير الأراضي التَّابعة للدَّولة لطرفٍ أجنبي لإقامة مشاريع، فليس من المقبول كذلك أن يمنحَ أفراد سُلطة منح حقّ تأجير الأراضي التَّابعة للدَّولة لِمُدَدٍ تتجاوز مدَّة معيَّنة مثل (20) عامًا دُونَ الرُّجوع لسُلطة البرلمان (مجلس عُمان)؛ فنحن هنا نتحدث عن أراضٍ وطنيَّة لن تستفيدَ مِنْها الدَّولة قانونًا خلال تلك المُدَّة الطَّويلة، ما يُعَدُّ كذلك أمْرًا غير مقبول. فبأيِّ حقٍّ أو سُلطة أن نَقُومَ بتأجير قطعة أرض وطنيَّة لِمُدَّة (50) سنَة ـ على سبيل المثال ـ لدولةٍ أو مؤسَّسة أو فرد أجنبي أو شريك أجنبي لإقامة مشروع عَلَيْها، والأسوأ من ذلك ألَّا يكُونَ هناك نسبة أو تناسُب ما بَيْنَ مُدَّة التَّأجير والمبلغ المتعاقَد عَلَيْه، كأن يكُونَ (50) عامًا بإيجار شهري قِيمته (1000) ريال كمثال فقط!! الجدير بالذِّكر أنَّ اهتمامنا بمثل هذا النَّوع من القضايا مردُّه الاهتمام بما يُطْلق عَلَيْه بالنَّزاهة الحكوميَّة والَّتي هي رأس مال أيِّ مؤسَّسة وطنيَّة، بل يقوم عَلَيْها رأس مال النِّظام السِّياسي في أيِّ دَولة حَوْلَ العالَم، حيثُ كانتْ وما زالتْ وستبقَى النَّزاهة قِيمةً مضافة لا يُمكِن بحالٍ من الأحوال التَّنازل عن أيِّ نسبة مِنْها، بل يَجِبُ أن توضعَ على رأس سلَّم أولويَّات أيِّ حكومة ترغب في الاستقرار والسَّلام بعيدًا عن شكوك الرَّأي العامِّ. وبِدُونِ النَّزاهة والشفافيَّة في طرح المشاريع الحكوميَّة ستستمر الشُّكوك في أيِّ عمل إيجابي تَقُوم به المؤسَّسات ذات الصِّلة بتلك المشاريع، وكما سبَق الإشارة يَجِبُ ونقول يَجِبُ إعادة النَّظر في آليَّة مَن له الحقُّ في اعتماد المشاريع والمناقصات الَّتي تزيد قِيمتها عن مبلغ مُعيَّن، بحيثُ يتشارك اعتمادها مؤسَّسات وطنيَّة أخرى مع الحكومة وعلى رأسها مجلس عُمان، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر المترتبة على ما يُطْلق عَلَيْه بالأوامر التَّغييريَّة. أخيرًا، مسألة الرَّقابة على المشاريع الحكوميَّة وتأجير الممتلكات العامَّة المملوكة للدَّولة، وهي ممتلكات وطن وثروة شَعب على وَجْه التَّحديد، يَجِبُ أن تتمَّ بكُلِّ صرامة من قِبل الأجهزة المعنيَّة، ويَجِبُ عدم التَّهاون أبدًا فيما يتعلق بإيقاف المشاريع في حال ثبوت أيِّ مخالفة أو تقصير، ومحاسبة المُقصِّرِين والمُخالِفِين، بالإضافة إلى ضرورة تفعيل الرَّقابة الإعلاميَّة الَّتي يَجِبُ أن يكُونَ لها دَوْر أكبر خلال السَّنوات المقبلة، فالإعلام الوطني هو عَيْنُ الوطن الَّتي يَجِبُ أن تتابعَ استقصائيًّا كُلَّ كبيرة وصغيرة. حفظ الله وطننا الحبيب سلطنة عُمان من شرِّ الفاسد الكائد الحاقد الحاسد، وقيَّض لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق (أعزَّه الله) البطانة الصَّالحة الَّتي تُعِينه على أمْر دِينه ودُنياه وخدمة وطنه.. اللَّهُمَّ آمين.
محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية [email protected] MSHD999 @