الثلاثاء 24 يونيو 2025 م - 28 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

دور التخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل فـي خدمة التشريع

دور التخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل فـي خدمة التشريع
الأحد - 31 ديسمبر 2023 05:59 م

محمد بن سعيد الفطيسي

20

في الأحوال الطبيعيَّة تبرز التشريعات كردَّة فعل مؤسَّسيَّة نتيجة وجود حاجة مُجتمعيَّة، وهذه الحاجة أو الضرورة قَدْ تهدف لضبط سلوك معيَّن. وعِندما نقول «سلوك» فلا ينحصر ذلك على الأفراد، بل يشمل ـ بالإضافة إلى ذلك ـ الظواهر والأزمات والتحوُّلات المُجتمعيَّة الوطنيَّة والدوليَّة. فالقانون هو مجموعة قواعد قانونيَّة ملزمة تضعها السُّلطة بهدف تنظيم سلوكيَّات مُجتمعيَّة، وكما هو معروف فلا قانون من غير مُجتمع ولا مُجتمع من غير قانون. بمعنى آخر، لا يُمكِن للسُّلطة أن تصدرَ في الأحوال العاديَّة أو الطبيعيَّة تشريعات إذا لَمْ تكُنْ هناك سلوكيَّات أو اتِّجاهات مُجتمعيَّة تحتاج إلى ضبط وإعادة تنظيم، وهو أمْرٌ لا يختلف عَلَيْه اثنان. اليوم ومع سرعة التغيير في الأحداث، ونتيجة التحوُّلات في البيئة الاستراتيجيَّة، خصوصًا تلك السِّمات الأربع المتعارف عَلَيْها والَّتي تميِّزها، أقصد التقلُّب والتوجُّس والتعقيد والغموض، فقَدْ أصبحت العديد من القوانين والتشريعات عاجزةً وفي أفضل الأحوال غير قادرة على مواكبة تلك التغيُّرات المتسارعة في حركة التغيير المُجتمعي، بحيث إنَّ السلوكيَّات والاتِّجاهات المُجتمعيَّة أصبحت أسرع بكثير من قدرة القوانين على مواكبتها، الأمْرُ الَّذي يؤدِّي ـ بلا شك ـ إلى وجود فجوة بَيْنَ التشريع والسلوك من حيث القدرة على مواكبة التغيير في المُجتمع، ممَّا يضعف من دَوْره الرئيس ويؤدِّي مع الوقت إلى انتشار السلوكيَّات والاتِّجاهات غير المنضبطة من جهة، وتلك الَّتي تقف الحكومة أو الدَّولة عاجزةً عن ضبطها وتنظيمها؛ لأنَّها لا تملك لها أيَّ تشريع منظِّم حينها. إذًا كيف يُمكِن الاستفادة من التخطيط الاستراتيجي وتقنيَّات استشراف المستقبل في خدمة التشريع؟ كيف يُمكِن العمل على الاستفادة من العصر الرقمي وبرامج الذكاء الصناعي لتحقيق ذات الهدف؟ هل يُمكِن ابتكار قوانين قادرة على معالجة السلوكيَّات والتوجُّهات المستقبليَّة؟ هل بدأت المُجتمعات بالتشكك في قدرة القوانين والتشريعات في خدمة المُجتمع نظرًا لبروز العديد من التحدِّيات والعقبات الَّتي تواجهها القوانين في مواجهة سرعة الأحداث والسلوكيَّات المُجتمعيَّة؟ كُلُّ الأمنيات أن يكُونَ هذا الطرح الذَّاتي الموجز بمثابة دعوة لإعادة ضبط بوصلة التفكير الاستراتيجي حيال أهداف وجود القوانين، محاولة لإعادة النظر في التفكير في الطُّرق والأساليب التقليديَّة في صياغة وتحديث القوانين، دعوة لمؤسَّساتنا الوطنيَّة الأكاديميَّة لفتح جبهة علميَّة جديدة يُمكِن من خلالها الابتكار والريادة حيال دَوْر القانون في بناء المستقبل والتنمية المستدامة عبر الاستفادة من برامج وتقنيَّات استشراف المستقبل والتفكير والتخطيط الاستراتيجي، كما أنَّها فرصة لخدمة الأهداف الوطنيَّة من خلال هذا التوجُّه المعاصر، خصوصًا أنَّ رؤية سلطنة «عُمان 2040» فتحت الطريق على مصراعَيْه للاستفادة من هذا النَّوْع من التوجُّهات، بالإضافة إلى حاجة هذه الرؤية نَفْسها لمِثل هذا النَّوْع من الأفكار المستقبليَّة حيال تطوير التشريعات.

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

MSHD999 @