الأحد 15 يونيو 2025 م - 19 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

فيتنام.. شعب أطلق شرارة النضالn فحصد جائزة الحرية والتقدم «4 ـ ٦»

فيتنام.. شعب أطلق شرارة النضالn فحصد جائزة الحرية والتقدم «4 ـ ٦»
السبت - 14 يونيو 2025 05:25 م

سعود بن علي الحارثي

20

ثالثًا: من «سايجون» إلى «لوقين» لا حدود للإدهاش.

المطار الدَّاخلي العصري في «هو شي منّه» افتتح قريبًا، وما زالتِ الأعمال التَّشغيليَّة جارية في بعض مرافقه، وهو كما رأيناه واحد من المطارات الضَّخمة، مريح وهادئ، يمتاز بحداثة العمارة والتَّهوية وإطلالاته الخارجيَّة المدهشة على الأراضي الخضراء والأشجار الزَّاهية الَّتي تألفها النفْس وتشرح القلب وتريح البصر. محطَّتنا الثَّانية كانتْ «هانوي»: وقد أطلق عَلَيْها العرب «لوقين»، وأصبحتْ عاصمة لفيتنام بعد التَّحرير عام ١٩٧٦، تقع شمال غرب دلتا النَّهر الأحمر، تاريخها حافل بالأحداث والتَّحوُّلات السِّياسيَّة وعاشتْ قرونًا تتأرجح بَيْنَ استعمار واستقلال، تتحرر من قوَّة عظمى فتقع من جديد في قبضة استعمار آخر، حصلتْ على الاستقرار السِّياسي والاقتصادي في منتصف القرن الماضي. ما أن يغادر السَّائح والزائر مطار «هانوي» الدّولي، مقتربًا من حدود العمارة حتَّى يدهش بجَمال العاصمة الفيتناميَّة الباهر، بالرِّيف الأخضر الممتدِّ إلى ما لا نهاية يشطره الشَّارع الرَّئيس إلى قلب المدينة، بالأبراج والبنايات الشَّاهقة الَّتي تظهر وتختفي على حسب مسارات الطَّريق وتعرُّجاته، النَّظافة والاهتمام بالجَمال، أناقة وفتنة المنازل والأحياء السكنيَّة الرَّاقية الَّتي تختبئ بعض أجزائها بَيْنَ الأشجار والحدائق الغنَّاء... تحظى بخيارات سياحيَّة رائدة، من أهمِّها: المدينة التاريخيَّة القديمة، الَّتي تحتفظ بنمطها المعماري التَّقليدي وأزقَّتها الضيِّقة وتفيض بالأسواق والمقاهي والأكشاك الَّتي تبيع كُلَّ ما يحتاجه ويطلبه السَّائح والمُقيم، وتجسِّد في الوقت ذاته، ثقافة وتاريخ هانوي الحقيقي ـ بحيرة «هوان كيم»، وتقع في قلب العاصمة الفيتناميَّة، وتستمد أهميَّتها من اسْمَها الشَّعبي «السَّيف»، الأسطورة، الَّتي تحكي عن «الامبراطور «لي لوي»، الَّذي حصل على سيف سحري من ملك التِّنين فاستخدمه لهزيمة الظَّالمين»، وهي أسطورة تُعَبِّر عن تداخل الثَّقافتيْنِ الفيتناميَّة ـ الصِّينيَّة، وتأثُّر الأُولى بالثَّانية ـ الجسر الأحمر وجسر لونج بيان، إذ تتميَّز المُدُن الفيتناميَّة بتنوُّع وتعدُّد الجسور الَّتي تربط بَيْنَ شطرَي الأنهار وضفافها، وأحيائها التجاريَّة والسكنيَّة، وصمّمت بأساليب وأنماط معماريَّة أخَّاذة تُعَبِّر عن الحداثة والجَمال ومجسَّمات ولوحات تحكي تاريخ وثقافة فيتنام وروح شَعبها العاشق للفنِّ والإبداع، وتُشكِّل تلك الجسور مزارًا سياحيًّا لالتقاط الصوَر من زوايا ومواقع تحبس الأنفاس وتُثير البهجة وتخلِّد ذكرى الزِّيارة ـ شارع القطار، تجربة فريدة لا يُمكِن تفويتها ترمز إلى ما قَبل مئة عام، عِندَما صمِّمت سكَّته في قلب الأحياء القديمة، وسواء كان السَّائح راكبا في القطار أو جالسًا على طاولة مقهى يحتسي قهوته، أو مكتشفًا أزقَّة الأحياء ماشيًا، فسوف يجد الكثير من المتعة في التَّعرُّف على خبايا الحياة القديمة وتقاليدها والغوص في جسد تلك الأحياء العتيقة، وتذوُّق الأطباق الشَّعبيَّة الشَّهيَّة والتقاط صوَر الذِّكرى ـ رحلة الكروز، هي الأخرى، من البرامج التَّرفيهيَّة الَّتي تضاف إلى مزيدٍ من طُرق الاستكشاف لطبيعة فيتنام المذهلة ومواقعها السَّاحرة، والاستمتاع بالتَّكوينات الصَّخريَّة المدهشة، ومتابعة لحظات الغروب والشُّروق المذهلة، وخوض غمار هذه التَّجربة الباذخة، تساعد أيضًا على الاسترخاء والتَّأمُّل، وتدخل إلى النفْس الفرح والسَّعادة، وتجعل الإنسان يعيش في عوالم تنسيه كُلَّ منغِّصات الحياة وأكدارها وأحزانها، منقادًا في هذا الملكوت الإلهي البديع وكأنَّه في كون يختلف كُليَّةً عن الَّذي يعيشه، متنقلًا بَيْنَ الكروز والقوارب الصَّغيرة لمشاهدة غابات من الكهوف وعجائب الطَّبيعة والقُرى السَّاحليَّة الجميلة والتَّعرُّف على البيوت العائمة وتقاليد الحياة للسكَّان المحليِّين. ويحتشد خليج «هالونج»، بسُفن الكروز الفاخرة والقوارب والعبَّارات التَّابعة، وسياحتها مزدهرة للغاية وآلاف السيَّاح من أوروبا والهند وآسيا يحظون بخدماتها الباذخة ـ مدينة «تام كوك»، هل هي نموذج لِلْجَنَّة الَّتي جاء ذكرها في القرآن الكريم، يشاهدها الإنسان في الدُّنيا فينبهر بها ويظلُّ مغرمًا متيمًا مشغوفًا بجَنَّة الآخرة؟ إذا كان للدُّنيا جَنَّة فـ»تام كوك» جَنَّتها الحقيقيَّة، فمصاطب زهرة اللوتس العائمة على الماء، ونهر «نجو دونج» الصَّافي، يتلوَّى بَيْنَ مآذن الجبال الشَّاهقة وخلجانها وجزرها المدهشة، وقوارب السيَّاح تَقُودهم في رحلة خرافيَّة إلى داخل الكهوف الَّتي تتدلى صخورها تلامس الرُّؤوس أشبَه بالتَّماثيل والمنحوتات الَّتي يبدع الإنسان صناعتها، والبساتين والغابات والأشجار المورقة والزُّهور الَّتي تتضوع عطورها تنعش الأجساد، والنَّسمات الممتعة والضَّباب وقطرات المطر تسكب على العقل قصائد العشق، وعلى القلوب النَّدى والنَّقاء والصَّفاء والرَّاحة... مكان يسلب العقول ويسرقها من عالَمها الدُّنيوي إلى فضاءات بعيدة ورحلات ملهمة تعيش فيها الرُّوح حالة من التَّأمُّل والتَّعبُّد والتَّفكير العميق في عالَم من الجَمال يجمع بَيْنَ الواقع والخيال متسائلًا أيٌّ مِنْهما هو الحقيقة المحضة؟ إنَّها بحقٍّ جوهرة أخرى من جواهر فيتنام تخفيها الجبال والأودية في أحضانها، خوفًا عَلَيْها من الحسد والسَّطو والعبث الإنساني لتبقَى طبيعتها بكرًا مثلَما ظهرتْ إلى الوجود، جَمال آسِر يحتضن السَّائح وسط الكهوف المائيَّة والأنهار المتعرجة، وحقول الأرز المختالة بخضرتها وحُسنها ومدرجاتها، يأتيها عشَّاق المغامرة والاسترخاء ومُحبِّي الطَّبيعة والجَمال، ومكتشفي الآثار والمواقع التاريخيَّة القديمة مثل: العاصمة القديمة «هوا لو»، ومعبد «باي دينه»، أكبر مجمَّع معابد بوذيَّة في فيتنام، ومنطقة «ترانج آن»، المصنفة كموقع تراث عالَمي من قِبل اليونسكو، حيثُ تداخل الكهوف المائيَّة مع التِّلال الكارستيَّة الَّتي تحيط بها الأنهار الصَّافية وحقول الأرز المورقة ـ مجمَّع «معبد الأدب»، أو «فان ميو» يُعَدُّ «رمزًا لعظَمة هانوي الفكريَّة والمعماريَّة»، وجوهرتها التَّاريخيَّة، وشهادة على «التُّراث الثَّقافي الغني» والتَّميُّز الأكاديمي لفيتنام، شيد لغرض التَّعبُّد والتنسُّك، وأداء الشَّعائر الدينيَّة وتعلُّم الآداب والتَّربية وثقافة المدرسة الكونفوشيَّة، على يد الحكماء والعلماء، عِندَما كانتِ البلاد جزءًا من الأراضي الصِّينيَّة، يشير اسمه إلى المزج بَيْنَ العبادة والأدب والتَّعلُّم، وبعد تحويله إلى تخصُّص التَّعليم الجامعي في عام ١٠٧٠م، أصبح تاريخيًّا أوَّل وأقدم جامعة تعليميَّة في فيتنام، تخرجتْ مِنْه نخبة العلماء والمفكرين والأدباء والسَّاسة الفيتناميِّين، السَّاحات والأقبية والزَّوايا والغُرف التَّعبديَّة والتَّعليميَّة، تُمثِّل جانبًا وتخصُّصًا وحقلًا مُحدَّدًا في المجال الَّذي يشتغل عَلَيْه معبد الأدب أو العِلم، أمَّا القبور المسيجة بالألواح الحجريَّة وأجساد السَّلاحف الصَّخريَّة، فترمز لفترات الازدهار، ولأولئك العلماء الَّذين «اجتازوا الاختبارات الملكيَّة» وقدّموا منجزات عظيمة للبلاد. «يتبع».

سعود بن علي الحارثي

[email protected]