السبت 14 يونيو 2025 م - 18 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

في الحدث: جنوب إفريقيا تواجه حبكة دبلوماسية أميركية لتتغاضى عن معاناة غزة

في الحدث: جنوب إفريقيا تواجه حبكة دبلوماسية أميركية لتتغاضى عن معاناة غزة
الأربعاء - 11 يونيو 2025 05:33 م

طارق أشقر

30

أشعل الرَّئيس الأميركي دونالد ترامب ما وُصف بأنَّه أزمة دبلوماسيَّة مع جنوب إفريقيا، بعد مواجهته الحادَّة مع الرَّئيس سيريل رامافوزا بشأن قضيَّتَيْنِ شائكتَيْنِ هما سياسات مصادرة الأراضي، والدَّعوى القضائيَّة الَّتي رفَعتْها بلاده ضدَّ ممارسات الاحتلال «الإسرائيلي» في محكمة العدل الدّوليَّة، وهي مواجهة تبدو وكأنَّها حبكة دبلوماسيَّة أميركيَّة لأجْلِ أن تصرفَ بريتوريا النَّظر وتتغاضى عن معاناة أهل غزَّة الَّتي أصبحتْ مقبرةً للضَّمير الإنساني. وخلال اجتماع متوتِّر في المكتب البيضاوي في واشنطن مؤخرًا، فاجأ ترامب الرَّئيس الجنوب إفريقي رامافوزا بعرضِ مقاطع فيديو ومقالات تزعم وقوع أعمال عُنف ضدَّ مزارعين بِيض في جنوب إفريقيا ـ وهي ادِّعاءات تمَّ اعتبارها على نطاق واسع بأنَّها جزء من رواية اليمين المتطرِّف حَوْلَ «إبادة البِيض». وقد دأب الرَّئيس الأميركي ترامب على ترويج هذه المزاعم، حيثُ أطلقتْ إدارته برنامج لجوء مثيرًا للجدل لإعادة توطين المزارعين البِيض من جنوب إفريقيا في الولايات المُتَّحدة وذلك بزعم تعرُّضهم للاضطهاد العِرقي. لكن تجديد اهتمام ترامب بجنوب إفريقيا في هذا التَّوقيت يتجاوز السِّياسات الزراعيَّة؛ إذ تأتي إثارته لموضوع البِيض الجنوب أفارقة بالتَّزامن مع قيادة جنوب إفريقيا لدعوى قضائيَّة بارزة تتَّهم فيها حكومة بنيامين نتنياهو بارتكاب إبادة جماعيَّة في قِطاع غزَّة الفلسطيني، وهي خطوة أثارتْ غضب الدَّوائر اليمينيَّة الدَّاعمة لـ»إسرائيل» في واشنطن. ترامب، المعروف بدعمه الصَّارم لـ»إسرائيل»، يبدو أنَّه يستخدم القضيَّة كأداة ضغط دبلوماسي. ففي خطوة مفاجئة، وقَّع أمرًا تنفيذيًّا بتجميد (440) مليون دولار من المساعدات الأميركيَّة إلى جنوب إفريقيا، مشيرًا إلى قانون مصادرة الأراضي والدعوى القضائيَّة في المحكمة الدّوليَّة كمبرّرين لهذا القرار. ويرى محللون أنَّ هذه الخطوة بمثابة «رسالة تحذير» ليس لجنوب إفريقيا فقط، بل لأيِّ دَولة تفكر في مقاضاة «إسرائيل» أمام المحاكم الدّوليَّة. ويرى مسؤول سابق في وزارة الخارجيَّة الأميركيَّة بأنَّ ترامب يستخدم المساعدات والأيديولوجيا كسلاح، ممَّا يعني أنَّ الأمْر لا يتعلق بقتل المزارعين، بل بالدِّفاع عن «إسرائيل» ومعاقبة مَن يتحدَّاها. ويُشار إلى أنَّ سياسة إصلاحات الأراضي في جنوب إفريقيا، الَّتي تُتيح المصادرة دُونَ تعويض في حالات معيَّنة، واجهت انتقادات من قادة غربيِّين محافِظِين، غير أنَّ ترامب استغلَّ هذه السِّياسات لِيصوِّرَها كنَوع من «التَّمييز ضدَّ البِيض»، بما يتماشى مع روايات الهُوِيَّة الَّتي تتبنَّاها قاعدته الانتخابيَّة. ويرى المراقبون أنَّ مواجهة الرَّئيس الجنوب إفريقي رامافوزا للرَّئيس الأميركي ترامب كانتْ واحدة من أكثر اللَّحظات إحراجًا في مَسيرته السِّياسيَّة، خصوصًا بعد أن تمَّ عرضُ لقطات عَلَيْه قِيل إنَّها لهجمات على مزارعين، وهو سُلوك تمَّ اعتباره بأنَّه نَوع من الضُّغوط لِكَيْ تنسحبَ بلاده من القضيَّة المرفوعة أمام المحكمة الدّوليَّة. ولكن على الجانب الآخر ما زالتْ جنوب إفريقيا متمسِّكة بموقفها، حيثُ أكَّد مسؤولون التزامهم بالعدالة الدّوليَّة وسياسات استعادة الأراضي ضِمن مشروع إنهاء الاستعمار. ومع ذلك، فإنَّ الضُّغوط الماليَّة والتَّهديد بالعزلة الدبلوماسيَّة لا يُمكِن تجاهلها. إنَّ استقبال ترامب للرَّئيس الجنوب إفريقي، ذلك الاستقبال الَّذي أطلق عَلَيْه البعض اسم «كمين المكتب البيضاوي الثَّاني» بعد مواجهات مشابهة مع قادة أوروبيِّين تُشير إلى مرحلة جديدة أكثر عدوانيَّة في النَّهج الدبلوماسي الأميركي الجديد، فضلًا عن أنَّه رسالة رُبَّما تكُونُ ضمنيَّة لجنوب إفريقيا مفادها «ادعمي إسرائيل»، واسحبي القضيَّة وإلَّا ستُواجِهين العواقب. وعَلَيْه مع توَجُّه الأنظار إلى لاهاي، قد تتعمق الهُوة بَيْنَ واشنطن وبريتوريا، في مشهدٍ ستكُونُ له تداعيات تتجاوز العلاقات الأميركيَّة الإفريقيَّة، لِتطولَ مستقبل القانون الدّولي نَفْسه.. وسنرَى.

طارق أشقر

[email protected]

من أسرة تحرير«الوطن»