في مساء هادئ، دخل شاب ثلاثيني إلى المركز يحمل في عينيه بقايا دموع وخجلًا خفيًا. جلس أمامي وقال بصوت متردد: “أنا لا أشعر بشيء.. حتى صلاتي أصبحت عادة، وقلبي كأنه ميت، حاولت العلاج، قرأت كتبًا، مارست التأمل، لكني لا أشعر بأي نور داخلي،” نظرت إليه وقلت: “هل جرّبت أن تحب الله؟ أن لا تطلب شيئًا، لا شفاء ولا فرج، فقط أن تحبه بصدق، وتنتظر أن تشعر بحبه؟” سكت برهة ثم قال: “أحب الله؟ لكني لا أشعر أنه يحبني،” قلت له: “دعنا نبدأ من هنا، من هذا الشعور بالبعد، لنكتشف طريق العودة. إن من أعظم تقنيات الشفاء الروحي والنفسي في العلاج بالاستنارة هي تقنية حب الله، حين يحب الإنسان الله بصدق، ويؤمن بأنه محبوب من ربه، تذوب الحواجز بينه وبين السماء، وتبدأ رحلة النور التي تشفي القلب والعقل والروح، كثير من الاضطرابات النفسية اليوم لا تأتي من الأحداث المؤلمة فحسب، بل من القطيعة الداخلية بين الإنسان ومصدر الطمأنينة: الله، وهنا يكون العلاج، لا بالمضادات ولا بالهرب، بل بالعودة إلى الحب الأول. ابدأ جلستك بالجلوس في مكان هادئ، واغمض عينيك، وخذ نفسًا عميقًا ببطء، اجعل نيتك أن تتصل بحب الله، لا طمعًا ولا خوفًا، بل لأن قلبك مشتاق لمن خلقه، قل في داخلك: “اللهم اجعل قلبي عامرًا بحبك، وأزل عني الحجب والغفلة،” تخيّل أن نورًا رقيقًا ينزل من السماء، يلفك بلطف ودفء، هذا النور هو حب الله يحتضنك، لا يلومك، لا يعاتبك، بل يحتضنك كمن عاد من سفر طويل. ردد مع كل نفس: “ربي يحبني… ربي يراني… ربي أقرب إليّ من نفسي،” ثم ردد قوله تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) وكأنها موجهة إليك وحدك، تسمعها من الله مباشرة، وتستشعر حضوره، في تلك اللحظات، ستشعر بذوبان داخلي، بانفتاح نوري، وكأن شيئًا عالقًا في صدرك بدأ يتحرر. في ختام الجلسة، تحدث إلى الله ببساطة وصدق: “يا الله، لا أريد إلا حبك، وإن شعرت ببعد، فأنا أوقن أنك أقرب إليّ من كل شيء،” ثم اجلس في صمت، راقب أثر هذا الاتصال الجديد. ذلك الشاب الذي جلس أمامي منذ أسابيع، عاد مرة أخرى، لكن هذه المرة بعينين لامعتين، وقال: “لم يتغير شيء خارجيًا، لكني أشعر بأن الله يحبني… وأنا أحبه، وهذا كفاني عن كل ألم.” حقًا، في رحاب حب الله، تنتهي المسافات، وتبدأ رحلة الشفاء الحقيقي.
د ـ أحمد بن علي المعشني
أكاديمية النجاح للتنمية البشرية