السبت 14 يونيو 2025 م - 18 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

في العمق: الأمراض المزمنة غير المعدية خطرn يهدد صحة المجتمع فـي سلطنة عمان

في العمق: الأمراض المزمنة غير المعدية خطرn يهدد صحة المجتمع فـي سلطنة عمان
الثلاثاء - 10 يونيو 2025 05:43 م

د.رجب بن علي العويسي

20

تُعدُّ الأمراض المُزْمِنة غير المُعْدية من أكثر التَّحدِّيات الصحِّيَّة الَّتي تواجه سلطنة عُمان في العقود الأخيرة، نتيجة للتَّحَوُّلات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة ونمط الحياة المعاصر، حيثُ تشمل هذه الأمراض أمراض القلب والشَّرايين، والسكَّري، والسَّرطانات بأنواعها، وأمراض الجهاز التَّنفُّسي المُزْمِنة، وهي أمراض لا تنتقل من شخص لآخر ولكنَّها تتطور ببطء وقد تستمر مدى الحياة، مما يجعلها عبئًا كبيرًا على الأشخاص المُصابِينَ بها والمُجتمع والنِّظام الصحِّي بشكلٍ عام. وتُشير الإحصائيَّات الصَّادرة عن وزارة الصحَّة العُمانيَّة ومنظَّمة الصحَّة العالَميَّة إلى أنَّ الأمراض المُزْمِنة غير المُعْدية تُسهم بما يزيد عن (70%) من إجمالي الوفيات في سلطنة عُمان حيثُ يُتوفَّى حوالي (11) شخصًا يوميًّا بسبب هذه الأمراض. ويأتي في مقدمة هذه الأسباب أمراض القلب والأوعية الدمويَّة، يليها السكَّري، ثم السَّرطانات بأنواعها، وأمراض الجهاز التَّنفُّسي المُزْمِنة، وتُشير إحصائيَّات وزارة الصحَّة إلى أنَّ (23.9%) من حالات الوفاة المسجَّلة بالمستشفيات التابعة لوزارة الصحَّة في سلطنة عُمان في عام 2023، ناتجة عن أمراض الجهاز الدَّوْري، وأنَّ (15.8%) ناتجة عن أمراض الجهاز التَّنفُّسي؛ ويُعَدُّ مرض السكَّري من أبرز الأمراض المُزْمِنة في سلطنة عُمان، حيثُ تُشير التقديرات إلى أنَّ حوالي (15%) من السكَّان مصابون بالسكَّري، مع تشخيص أكثر من (6500) حالة جديدة سنويًّا في مرافق الرِّعاية الصحِّيَّة الأوَّليَّة، تُعَدُّ أمراض القلب والأوعية الدمويَّة من الأسباب الرَّئيسة للوفيات في سلطنة عُمان، حيثُ تُسهم بنسبة (36%) من إجمالي الوفيات، تليها السَّرطانات بنسبة (9%). وتتسبب الأمراض المُزْمِنة وغير المُعْدية حسب تقارير منظَّمة الصحَّة العالَميَّة في إقليم شرق المتوسِّط فيما يزيد على (50%) من الوفيات السنويَّة و(60%) من العبء المرضي، كما وتُعَدُّ الأمراض المُزْمِنة الأربعة الرَّئيسة، وهي الأمراض القلبيَّة الوعائيَّة، والسَّرطان، والسكَّري، والأمراض التَّنفُّسيَّة المُزْمِنة، المُسهِم الأكبر في الوفيات في غالبيَّة بلدان الإقليم. وتصل نسبة الوفيات النَّاجمة عن الأمراض القلبيَّة الوعائيَّة إلى (49%) في سلطنة عُمان، وأنَّ الوفيات بسبب السَّرطان تتراوح نسبتها بَيْنَ (20-3%) في دول الإقليم، كما أنَّ هناك معدَّلات مرتفعة جدًّا من حالات السكَّري؛ حيثُ إنَّ نسبة انتشار السكَّري تتجاوز (18%) في بعض بُلدان الشَّرق الأوسط. وإن كان الأمْر لا يعني سلطنة عُمان مباشرة نظرًا لارتفاع مستوى الرِّعاية الأوَّليَّة والكفاءة التَّشخيصيَّة وتوافر العلاج وجهود الدَّولة في مكافحة الأمراض المُزْمِنة وغير المُعْدية والبرامج الَّتي اتَّخذتها في هذا الشَّأن بما يُعزِّز من مستوى الوعي الصحِّي، إلَّا أنَّنا يَجِبُ أن ندركَ أنَّنا في إقليم يواجه حالة من عدم الاستقرار بسبب الحروب والصِّراعات والظُّروف الَّتي تعيشها بعض بُلدان المنطقة، الأمْر الَّذي أدَّى إلى ارتفاع مستوى التَّهجير واللاجئين من مخاطر الحروب، حيثُ يبرر تقرير منظَّمة الصحَّة العالَميَّة الأسباب المؤدِّية للأمراض المُزْمِنة في، تقدم أعمار السكَّان، والتَّوَسُّع العمراني العشوائي المستمر، وعولمة أنشطة التِّجارة والتَّسويق، اللَّذيْنِ يفضيان إلى زيادة التعرُّض إلى عوامل خطر الإصابة بالأمراض غير المُعْدية. حيثُ تُشير البيانات إلى أنَّ أكثر من ربع البالغين من السكَّان لدَيْهم ارتفاع في ضغط الدَّم، كما لوحظ انتشار فرط كوليسترول الدَّم، بشكلٍ مرتفع، وبنسبة تتراوح بَيْنَ (14%) و(52%) لدى البالغين ممَّن تقع أعمارهم بَيْنَ (15) و(65) عامًا. بالإضافة إلى الخمول البَدَني وقلَّة معدَّل النَّشاط البَدَني وزيادة السُّمنة، حيثُ إنَّ نَحْوَ (50%) من النِّساء وأكثر من ثُلث عدد الرِّجال لا يزاولون نشاطًا بدنيًّا كافيًا، حيثُ تُعَدُّ النِّساء أكثر عرضة للسُّمنة مقارنة بالرِّجال، حيثُ تصل نسبة السُّمنة بَيْنَ النِّساء إلى (40.9%) بَيْنَما تبلغ بَيْنَ الرِّجال (28.2%). وترتبط هذه الأمراض بشكلٍ وثيق بالعوامل السُّلوكيَّة والسُّلوك الاجتماعي اليومي ونمط الحياة، مثل قلَّة النَّشاط البَدَني، وزيادة الوزن والسُّمنة، والتَّدخين، والتَّغذية غير الصحِّيَّة. وبحسب بيانات المسح الوطني للأمراض غير المُعْدية الَّذي تنفذه وزارة الصحَّة ضمن خطَّتها لتعزيز الوقاية ومكافحة الأمراض غير المُعْدية، فإنَّ نسبة البالغين العُمانيِّين الَّذين يعانون من السُّمنة أو زيادة الوزن تفوق (60%)، كما أنَّ معدَّل انتشار مرض السكَّري بَيْنَ البالغين يتجاوز (15%)، وهو من أعلى المعدَّلات في المنطقة؛ ذلك أنَّ خطر الأمراض المُزْمِنة غير المُعْدية وتداعياتها يمتدُّ لتؤثِّرَ على الصحَّة الفرديَّة من النَّواحي النَّفْسيَّة والاجتماعيَّة والإنتاجيَّة وما تولده من قلق وارتباك في شخصيَّة المريض وهو يعيش حالة المرض طول حياته؛ الأمْر الَّذي يضعه في هواجس مستمرة ويفقده لذَّة الحياة ورغبة العيش؛ نظرًا للشُّعور السَّلبي الَّذي يرافقه بأنَّه معرَّض في أيِّ وقت لمضاعفات أكبر ومخاطر أعظم، ناهيك عن عدم قدرته على الاستمتاع بما هو متاح له، سواء في طبيعة المأكولات الغذائيَّة ومشاركته أُسرته فيها، ليتَّجهَ هذا التأثير إلى الاقتصاد الوطني، من خلال ما يتطلبه من قيام الدَّولة من توفير موازنات ماليَّة للتَّقليل من تأثير هذه الأمراض ومحاولة إخراجهم من الشُّعور السَّلبي عَبْرَ توفير منح العلاج في الخارج على نفقة الدَّولة، وارتفاع تكاليفه، وانخفاض الإنتاجيَّة، كما أنَّ الأمراض المُزْمِنة تؤثِّر على جودة حياة الأفراد والأُسر، حيثُ يتطلب الأمْر متابعة طبيَّة مستمرة، وتغييرات جذريَّة في نمط الحياة، ناهيك عن تأثيرها على وجود جسم سليم معافى يستطيع أن يمارس مهامه الحياتيَّة والمهنيَّة؛ إذ إنَّ تأثير هذه الأمراض على المسار الوظيفي والمهني يظهر من خلال ما يتطلبه من إجازات مستمرة للمواعيد، ناهيك عن أنَّ الصورة الذهنيَّة السلبيَّة الَّتي باتتْ ترافقه حَوْل مرضه تستحوذ على مساحة أكبر من التَّفكير في تقديم المبادرات والأفكار النوعيَّة وتحسُّن مستواه الوظيفي وترقية مهاراته وغيرها. مما يزيد من الأعباء النَّفْسيَّة حيثُ تُشير الإحصاءات إلى أنَّ إجمالي عدد زيارات المواطنين للصحَّة النَّفْسيَّة في مؤسَّسات وزارة الصحَّة وحدها في عام 2023 بلغت (104.475) ألف زيارة، وأنَّ (53.2%) هم في الفئة العمريَّة (19-59 سنة). وأنَّ (32%) من الحالات الجديدة للأمراض النَّفْسيَّة في عام 2022 هم في الفئة العمريَّة (0-18) سنة. عَلَيْه، تطرح مؤشِّرات الأمراض غير المُعْدية في مُجتمع سلطنة عُمان جملة من الخيارات واستراتيجيَّات العمل الوطنيَّة القادمة الَّتي نعتقد بأنَّ الجهود الوطنيَّة ساعية نَحْوَ تحقيقها، إلَّا أنَّنا نؤكد على ضرورة أن تتخذَ مسارات أكثر شفافيَّة ومعياريَّة في الشَّراكة والتَّكامل المؤسَّسي والتَّشريعات والحوافز والتَّشخيص المبكر وتعظيم ثقافة الفحوصات الدَّوْريَّة وتبسيطها وتسهيل حصول المواطنين عَلَيْها وتشجيع القِطاع الخاصِّ على تقديمها بدعم حكومي، سواء من خلال تبنِّي سياسات صحِّيَّة أكثر نضجًا واستدامة في تغيير قناعات المواطن حَوْل الصحَّة والمرض والغذاء والنَّشاط الرِّياضي والبَدَني، وتعظيم فرص بناء العادات الصحِّيَّة السَّليمة والسُّلوك الغذائي المتزن وأنماط الحياة الرَّاقية القائمة على الوعي الصحِّي والغذائي السَّليم والتَّشخيص المبكر؛ وتقديم حزم صحِّيَّة وقائيَّة وعلاجيَّة تضع المواطن أمام مسؤوليَّة التَّغيير في عاداته وممارساته الصحِّيَّة وأنماطه الغذائيَّة، وعَبْرَ نقل الرّيادة الصحِّيَّة للمواطن من حيِّز التَّنظير إلى الممارسة عَبْرَ إيجاد برامج عمليَّة تحمل مؤشِّرات لقياس مستوى التَّقدُّم في سلوك المواطن الصحِّي، سواء فيما يتعلق بالاستهلاك اليومي للغذاء أو في تأكيد نوعيَّة الأغذيَّة والوجبات والتَّوقيتات المناسبة لها، وأن تقومَ المؤسَّسات الصحِّيَّة الحكوميَّة والخاصَّة في متابعة ذلك من خلال إحصائيَّات الغذاء والاستهلاك اليومي للمواطنين والوقوف على ذلك بصورة دَوْريَّة؛ وتوفير السِّياسات الصحِّيَّة الضبطيَّة الموجّهة للقِطاعات الأخرى غير الصحِّيَّة ـ أي مؤسَّسات الإنتاج وسلاسل التوريد ـ، والتزام سياسات واضحة للحدِّ من عوامل الخطورة المسبّبة لهذه الأمراض، وسنّ التَّشريعات والقوانين الَّتي تحمي صحَّة المواطنين من المواد الغذائيَّة الضَّارَّة، وتحسّن معايير الرَّقابة على الأغذية والمشروبات، وتجنُّب الغش التِّجاري في المنتجات الغذائيَّة. بالإضافة إلى ضبط مروِّجي الدِّعاية والإعلانات في منصَّات التَّواصُل الاجتماعي من تقديم محتوى غذائي أو صحِّي غير مرخَّص له من وزارة الصحَّة وتقنين هذا السُّلوك وإيجاد التَّشريعات الضَّابطة له، بالإضافة إلى تعزيز التنوُّع في توفير الأنماط الصحِّيَّة والبيئات الرِّياضيَّة والتَّوَسُّع في المماشي المتكاملة في مختلف ولايات سلطنة عُمان (الممشى الأخضر بالمعبيلة نموذجًا) وتشجيع أنشطة الصَّالات الرِّياضيَّة للجنسيْنِ وتيسير انتشارها بأسعار منافسة ومدعومة.

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]