انقضتْ أيَّام عيد الأضحى المبارك واحتفل كل بيت في سلطنة عُمان على طريقته الخاصَّة بأجواء العيد والَّتي تتشابه إلى حدٍّ كبير مع بعضها البعض؛ كونها مستقاة من العادات والتقاليد الاجتماعيَّة المتوارثة عَبْرَ الأجيال والَّتي تُعَدُّ من المُكوِّنات الأساسيَّة للهُوِيَّة الثقافيَّة العُمانيَّة والتُّراث الأصيل، خصوصًا تلك الَّتي تعطي المائدة العُمانيَّة نكهة خاصَّة تميِّزها عن أيِّ مائدة في العالَم.. حيثُ تنوعتْ أطباق العيد بَيْنَ العرسيَّة والقليَّة أو المقلي والهريس والثريد إلى جانب الشواء بطريقته المتفردة والمشكاك والقبولي، ولا ننسى الحلوى العُمانيَّة اللَّذيذة وغير ذلك مما لذَّ وطاب على الموائد العُمانيَّة طوال أيَّام العيد. لكن للأسف بعض الأُسر من فيض فرحتها بالعيد تمتلئ موائدها عامرة بأشهى الأطباق وبكميَّات وفيرة جدًّا، وما أن ينقضي الجمع حتَّى تتفاجأ بالكثير من بواقي الطَّعام والَّذي يكُونُ مصيره في النهاية سلَّة النّفايات!! الغريب أنَّه في الوقت الَّذي ينتشر فيه الجوع ويزداد عدد الفقراء نجد أنَّ العالَم يشهد تصاعدًا مستمرًّا في معدَّلات الهدر الغذائي، وهو ما يستوجب وقفة جادَّة مع الذَّات؛ لأنَّ الطَّعام نعمة عظيمة والشُّكر عَلَيْها لا يكُونُ فقط بالحمد، بل بالحفاظ عَلَيْها وعدم تبذيرها.. فحين نعدُّ ما يزيد عن حاجتنا ولا نُحسن التصرُّف فيما تبقَّى نكون قد شاركنا ـ من غير قصد ـ في إهدار النّعمة. والحل يكمن في التَّخلُّص من الطَّعام الفائض بشكلٍ مثمر.. فمثلًا إذا تبقَّى من الطَّعام لا يزال صالحًا للأكل فعلى صاحب هذا الطَّعام أن يفكر فيمن حَوْله من المحتاجِين أو العاملِين في بيئته كالحرَّاس أو عمَّال النَّظافة، فهذه اللَّفتة البسيطة قد تعني لهم الكثير.. كما أنَّه يُمكِنه القيام بتبريد أو تجميد ما يُمكِن حفظه لتناوله لاحقًا فهذه الطَّريقة تُسهم في تقليل الفاقد الغذائي وتوفير المال أيضًا.. أمَّا ربَّة المنزل فبإمكانها الابتكار في الوصفات وتحويل بقايا الأرز وقطع اللَّحم إلى وصفات جديدة والإنترنت مليء بالأفكار اللَّذيذة لإعادة استخدام بقايا الطَّعام.. أمَّا الطَّعام غير الصَّالح للاستهلاك فبالإمكان تحويله إلى سماد طبيعي يُغذِّي التُّربة والنَّباتات.. وقَبل كُلِّ ذلك لا بُدَّ أن تقومَ ربَّة المنزل بالتَّخطيط للوجبات قَبل إعدادها حتَّى تتجنَّبَ الفائض فيها. لا شك أنَّ الإسراف وعدم ترشيد الاستهلاك مُشْكلة يَجِبُ أن نتخلص مِنْها حتَّى نحافظ على ثروات المُجتمع واستقراره.. فليس من المعقول ألَّا نعملَ للزَّمن والمستقبل المجهول حسابًا، بل يَجِبُ أن يحتاط الإنسان للأيَّام المقبلة وأن يأمنَ نوائب الزَّمن ويؤمِّن مستقبل أولاده قدر استطاعته. نحن لا ننكر أنَّ من حقِّ كُلِّ شخص أن يتمتعَ بكُلِّ ما حباه الله من نِعم، وأن تظهرَ عَلَيْه آثار هذه النّعم، ولكن يَجِبُ أن يكُونَ ذلك في حدود المعقول؛ لأنَّ المبذِّرين إخوان الشَّياطين كما أخبرنا قرآننا الكريم.. فنحن محاسبون جميعًا أمام الله على أيِّ مال يبذل فالمرء سيُسأل عن هذا المال فيما أنفقَه ومن أين اكتسبه؛ لأنَّ المال هو مال الله، لذا يَجِبُ أن ننشرَ ثقافة الترشيد قدر المستطاع حتَّى ينعمَ الجميع بالأمان في المستقبل. عَلَيْنا أن ندركَ أنَّ كُلَّ حبَّة أرز لها قِيمة.. وأنَّ كُلَّ رغيف خبز يهدر يعني جهدًا ضائعًا وموارد مستنزفة.. فلنبدأ في بناء علاقة صحِّيَّة ومسؤولة مع طعامنا.. ولْنكُن شركاء في حفظ النعمة ولنُحدِث فَرقًا يبدأ من مطبخنا.
ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني