جاءتْ خطبة عيد الأضحى المبارك لِتسلِّطَ الضَّوء على أساس استمراريَّة واستدامة بناء الأوطان عَبْرَ إخلاص القصد ووضوح الطَّريق مع تبيان سُبل تحقيق هذه الغايات. واستلهامًا من العِبَر والقِيَم الَّتي نأخذها من شعائر ومناسك الحج، جاءتِ الخطبة لتؤكِّدَ على أنَّ بناء الوطنِ يكُونُ بالعهد والتمكين، حيثُ إنَّ هذا البناء يكُونُ مستهله الأمان الَّذي هو أصل التَّنمية، وأنَّ العمران يبدأ بالنّيَّة قَبل الحجَر وبالقصْد قَبل الزَّرع، وأنَّ الارتباط بالأرض ليس في غناها، بل فيمَنْ يسكنها بولاءٍ وإيمانٍ. فالأوطان الَّتي يبدأها قائدٌ يُخلص في توجيه البُوصلة لا بُدَّ وأن تتبعه أجيالٌ تُؤمّن خلف دعائه، وتُقِيم صلاة الولاء، وتؤدِّي طواف الشُّكر، وتشرب زمزم القِيَم، وتقف على صدق العمل، وتبيتُ على ثرى الانتماء، فيأتي الرزقُ ويستوجب الشُّكرَ. ومن هنا فإنَّ الحصن الَّذي تتحصن به هذه الأجيال هو تجنُّب الجدال الَّذي يثير الكراهيَّة ويسبِّب الفتنة بَيْنَ النَّاس، حيثُ إنَّ الابتعاد عنه وعيٌ في بناء الوطن وإحياءٌ للحكمة، حيثُ تستشهد الخطبة بكما أنَّه «لا جدال في الحج»، فإنَّه لا جدال في ثوابت الوطن، ولكلِّ فكرة توقيتُها، ولكلِّ نقدٍ حدودُه، وأن يحرس العقل الحروف قَبل أن تخرج، وأن تُحفظ المقاماتُ والحرماتُ. فالحياة تُمنح لمن يسعى، وبركة الأرض تبدأ حين تتحرَّك النيَّة في قلبٍ يؤمن ثمَّ يعملُ.
المحرر