يواصل الاقتصاد الوطني تحقيق مؤشرات إيجابية على مختلف الأصعدة، خصوصا في القطاعات غير النفطية التي أصبحت تمثل مكوّنًا رئيسيًا في جهود الدولة الرامية إلى تعزيز التنويع الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل. وقد وضعت هذه التوجهات سلطنة عمان في مقدمة الدول التي تبنت برامج اقتصادية شاملة وطموحة، تستهدف بناء اقتصاد مستدام ومتنوع، يلبي تطلعات الجميع من المستثمرين ورواد الأعمال، وما إشادة البنك الدولي الأخيرة إلا دليل على نجاح تلك السياسات والإصلاحات التي انتهجتها الحكومة وهو ما أكد عليه التقرير بالقول «إن التجربة العُمانية في التنويع الاقتصادي تعد نموذجا يحتذى به في المنطقة». وتشهد سلطنة عمان تحولات اقتصادية متسارعة، مدفوعة برؤية استراتيجية واضحة تتمثل في «رؤية عُمان 2040»، والتي رسمت ملامح الاقتصاد العُماني الجديد، القائم على التنافسية والاستدامة والابتكار. ومن هذا المنطلق، تواصل الحكومة العمل على توظيف الإمكانيات والموارد المتاحة بأقصى كفاءة، من خلال إعادة هيكلة المؤسسات، ومراجعة التشريعات الاقتصادية وتطويرها، وتقديم الحوافز والتسهيلات للمستثمرين والنهوض بها، إضافة إلى تحسين بيئة الأعمال، واستقطاب الاستثمارات النوعية، ومواكبة التطورات الاقتصادية العالمية. لقد ساهمت هذه الجهود في تعزيز موقع سلطنة عمان كوجهة جاذبة للاستثمار، كما انعكس ذلك إيجابا على تصنيفاتها في التقارير الدولية، مما يدل على تنامي ثقة المؤسسات العالمية بالاقتصاد الوطني، كما أتاح هذا الزخم من الإصلاحات فرصة حقيقية للنهوض بالمشاريع الاقتصادية والتنموية، وتمكين القطاع الخاص من القيام بدور أكبر في دفع عجلة النمو، عبر تمكينه وتوفير المساحة الكافية من الحوافز التي تعزز من مكانته ودوره في المشهد الاقتصادي. ويمضي الاقتصاد الوطني بثبات نحو تنفيذ مشاريعه الاستراتيجية، ما يمهد لولادة فرص جديدة في قطاعات متنوعة كالطاقة، والصناعات التحويلية، والخدمات اللوجستية، والسياحة، والهيدروجين الأخضر، والطاقة المتجددة وغيرها من القطاعات التي بدت أكثر انسجاما مع المتغيرات الاقتصادية الإقليمية والدولية، بما يعزز قدرتها على جذب رؤوس الأموال، ورفع كفاءة الأداء، وتحقيق القيمة المضافة منها. وأشار تقرير البنك الدولي أيضًا إلى أن رؤية عُمان 2040 تولي أهمية كبيرة لتطوير رأس المال البشري، وتحسين جودة التعليم، وتعزيز البحث العلمي والابتكار، بالإضافة إلى تحديث الموانئ والمطارات والمناطق الحرة، وإيجاد بيئة تشريعية وتنظيمية داعمة لنمو القطاع الخاص. وفي السياق نفسه، تعد الإجراءات التي اتخذتها سلطنة عمان في إدارة الدين العام من أبرز النجاحات المالية خلال السنوات الأخيرة، حيث انخفض إجمالي الدين العام إلى نحو 14 مليار ريال عماني، وهو ما ساهم في تعزيز الاستقرار المالي، ورفع التصنيفات الائتمانية، وإعادة الثقة للمستثمرين المحليين والدوليين، ويشكل هذا الإنجاز المالي أساسا مهمًا لدعم السياسات الاقتصادية المستقبلية، بما يفتح المجال لتنفيذ مشاريع طموحة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية واسعة، تُسهم في توفير فرص العمل، وتعزيز الدخل القومي، وتنفيذ مشروعات مكملة تساهم في بناء منظومة اقتصادية متكاملة ومستدامة. وفي الختام، فإن المؤشرات الحالية والنتائج المتحققة تؤكد أن سلطنة عمان ماضية بثقة نحو ترسيخ مكانتها كقوة اقتصادية صاعدة في المنطقة، مستفيدة من عناصر قوتها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي، ومدعومة برؤية واضحة وسياسات حكومية مرنة، تجعلها بيئة مثالية للاستثمار، وقادرة على مواجهة التحديات، والتكيف مع المتغيرات وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
مصطفى المعمري
كاتب عماني