عندما نمعنُ النظر في جغرافيَّتنا العربيَّة ينتابنا الكثير من الأسَى والألَم لحال هذه الأُمَّة، فمن المحيط إلى الخليج أزمات ومشكلات وخلافات بَيْنَيَّة، ولا شك أنَّ قضيَّتنا الأولى والمصيريَّة فلسطين وجرحها النازف وما تتعرض له من خذلان يضع أبناء الأُمَّة في موقف حرج لا نحسد عَلَيْه. نعم قد تكُونُ مشيئة الله شاءت وإرادة التبديل دائمًا يسبقها مثل هذا الخذلان، كما قال رسول الله صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم: «توشك الأُمم أن تداعى عَلَيْكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومِن قلَّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنَّكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعن الله من صدور عدوِّكم المهابة مِنْكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن» رُبَّما مرَّتِ الأُمَّة بهذا الوضع عَبْرَ التاريخ خلال الحملات الصليبيَّة واجتياح التتار لعاصمة الخلافة العباسيَّة ولكن الأُمَّة العربيَّة والإسلاميَّة اليوم في التاريخ المعاصر تجسد فيها هذا الضعف أكثر مما كانتْ عَلَيْه، فالإرادة الرسميَّة مكبَّلة وبعضها مرتبط بالأعداء أكثر من الأشقاء والأصدقاء، فلله الأمر من قَبل ومن بَعد. لا شك أنَّ الأُمَّة اليوم تندب حظَّها فيما آلتْ إِلَيْه، وكما قال المتنبي: «عيدٌ بِأَيَّة حالٍ عُدتَ يا عيدُ .. بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ» فهل يأتي ما يحقق آمال وتطلُّعات الأُمَّة؟؟ نعم يُمكِن ولو بالقليل «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين». للأسف طالما لا يوجد إجماع عربي وموقف عربي وإسلامي وازن وموحَّد في مجابهة هذا التغوُّل الصهيوني والإبادة الجماعيَّة الَّتي يرتكبها بآلة حربه واستهداف المَدَنيِّين الأبرياء، وخصوصًا الأطفال والنساء، فلا يُمكِن أن يتحقق نصر إلَّا بالوحدة والإرادة.. فهذا العدوُّ كان لا بُدَّ من اتِّخاذ قرار عربي وإسلامي بالإجماع من قِبل هذه الدول الإسلاميَّة لتشكيل تحالف عالَمي للدفاع عن فلسطين ومقدَّسات الأُمَّة، لكن ـ للأسف ـ هناك اجتماعات عربيَّة ـ إسلاميَّة وادعاء بنصرة فلسطين، وفي الواقع لا شيء جديد للأسف، وهذا ما يؤلم وينتقص من كرامة هذه الأُمَّة. كان بإمكان الأُمَّة أن تستثمر ما حدَث في غزَّة بفعل طوفان الأقصى وتعَبِّر عن ذاتها لتقفَ وقفة واحدة متَّحدة ومشرِّفة لمجابهةِ الصهيونيَّة وإزالتها من الوجود، فلو اتُّخذ موقف عربي إسلامي جماعي واستُخدمت جميع أوراق القوَّة المتوافرة لكان كفيلًا بإيقاف هذا الإجرام والطغيان الصهيوني، والحديث عن أوراق الضغط كثيرة، ومِنْها ما يجعل حدود الكيان المُجرِم الصهيوني غير آمنة، لكنَّ الأمْر يتطلب إرادة رسميَّة أولًا ونيَّات صادقة وتنسيقًا مشتركًا بَيْنَ دولنا العربيَّة والإسلاميَّة، فهل من المعقول أن يشاهدَ قادة الأُمَّة ما يحدُث في غزَّة من عدوان واستفراد بالأبرياء والمستضعفين من المَدَنيِّين وهناك (57) دولة إسلاميَّة غير قادرة على تبنِّي أيِّ حراك فاعل لإنقاذ أولئك الأبرياء؟! نسأل الله الفرج القريب ونسأله تعالى اللطف بأهْلنا في غزَّة وأن يربط على قلوبهم ويثبِّتَ أقدامهم وينصرَهم على القوم المُجرِمِين وما ذلك على الله بعزيز.
خميس بن عبيد القطيطي