الخميس 05 يونيو 2025 م - 9 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

رحاب : هذا إنجازي: عثمان.. الرجل الذي لا يرد محتاجا

رحاب : هذا إنجازي: عثمان..  الرجل الذي لا يرد محتاجا
الاثنين - 02 يونيو 2025 07:23 م

د ـ أحمد بن علي المعشني

60

حين تكون العفَّة دافعًا، يتحوَّل الكفاح إلى بناء، والعمل إلى رسالة، والنجاح إلى صدقة جارية. في عام 2011، وفي خضم مشاغل الحياة وتسارعها، التقيت لأول مرة عثمان، رجل أعمال شاب لم يكن سكان ظفار يعرفون له اسمًا سوى (عثمان). كنتُ أعْلمُ أن مشروع طريق عقبة (سيير) الذي يربط صلالة بحجيف يشهد أعمال شق طريق جبلي وعر وسفلتة، وكانت شركة عثمان هي التي تقوم بهذا العمل، وكان عثمان يتابع تفاصيل المشروع بنفسه خطوة بخطوة. رأيتُ شابًّا يشي وجهه بالرجولة والكرم والشهامة، شعرتُ وأنا أحدثه كأنني أعرفه منذ زمن بعيد وهذا هو شعور وانطباع من يقابله لأول مرة. استقبلني بحفاوة، كان مشغولًا يتابع جميع تفاصيل ومراحل المشروع بعقلية المهندس وبصلابة المقاول الخبير، صافحني، رحَّب بي بحرارة ثم استأذنني بلُطف كي يواصل عمله، وبدون أن أنتظر جلوسه سألتُه سؤالًا واحدًا فقط: «ما الذي دفعك إلى ريادة الأعمال؟ فأجابني بجملة لم تبرح ذهني حتى اليوم: «العفَّة.» استغربت، قلت له: «وماذا تعني بالعفَّة؟!» قال: «لا أحب أن أطلب من أحد، ولا أن أمدَّ يدي لأحد، نشأت على أن أعمل بيدي، وأسعى لرزقي، وأعيش من عرقي، لم أسمح لنفسي يومًا أن أتكلَ على غيري.» روى لي عثمان يومها كيف كان يعمل في البحر، صيادًا يسابق الأمواج لأجل لقمة العيش، وكيف انتقل للعمل في البناء بمعدَّات بسيطة يساعد بها الناس في بناء بيوتهم في ولايتي ضلكوت و رخيوت، لم يدّخر جهدًا في أي عمل شريف يُعِينه على حفظ تلك العفَّة التي يَعدُّها طريقًا للحُرية. وذات يوم، سنحت له الفرصة التي غيَّرت كل شيء، التقى برجل يملك محطَّة كسارة للأحجار والجبس في منطقة عيدم، وقد شاخت معدَّاتها وصدأت، وخلال الحديث، عرض عليه الرجل أن يشتري المحطَّة، فصُدم عثمان، وسأله: هل أنت جاد؟ أجابه الرجل: «نعم.» فضرب عثمان صدره وقال بثقة: «اشتريتها.» لم يكن لديه المال، لكنه عاد إلى أهله، وأخبر والده وإخوته الذين آمنوا به، باعوا بيتهم، وجمعوا له ما استطاعوا، فكان ذلك أول دفعة دفعها عثمان ليبدأ رحلته مع المحطَّة المهجورة. لم يسلمها للعمَّال، بل اعتكف على تشغيلها وصيانتها بنفسه، درَّب نفسه على معرفة كل قطعة في مكائن ومعدَّات محطَّة التكسير، تعلَّم كيف يشغلها وكيف يفك ويركب أجزاءها وكيف يجري لها الصيانة المستمرة وخلال فترة قصيرة عادت الحياة للكسارة التي صارت محطَّة معروفة لدعم مشاريع البناء والطرق في تلك المنطقة الصحراوية. ومن هناك، انطلقت شرارة النجاح، أسَّس شركته «الرصيد»، وسرعان ما صارت اسمًا لامعًا في عالم الطرق والمشاريع، مشروع بعد مشروع، شقّ الطرق، فتح المسارات، وبنى وشيد طرقًا وجسورًا في تلك المناطق الوعرة من المنطقة الغربية بمحافظة ظفار. لم يكن عثمان سعيد رعفيت مجرَّد رجل أعمال ناجح، بل اشتهر كرجُل كريم ينفق على جميع مشاريع الخير وخدمة الوطن وأبنائه، فهو يساعد الفقراء ويبني دُورًا ويوقفها لخدمة وتمويل الأيتام، ويساعد الفقراء من اليمن ومن سلطنة عُمان، وليس هناك محتاج في محافظة ظفار أو في المنطقة الحدودية من اليمن لا يعرف الطريق إلى مكتبه في المنطقة الصناعية بريسوت؛ لأنهم يعلمون أنه لا يردُّ أحدًا. وفي أعقاب كل إعصار، وفي قلب كل كارثة، تجد معدَّات شركته تمهد الأرض للناس، وتفتح الطرقات، وتمنح الأمل من جديد. واليوم، بلغني أن شركته تشق طريقًا جديدًا بين رخيوت وضلكوت، طريق بحري وعر وشاق، لكنه حين يُفتح، سيُمهِّد لتفعيل تنقل السكان والسياح وسيصبح أجمل كورنيش في المنطقة. هذا هو عثمان رعفيت، رجُل لم يبنِ ثروته ليتفاخر بها، بل يساعد بها بلده ومجتمعه، رجل نذر ماله ومعدَّاته وعرقه ووقته لخدمة الناس، وبنى من قِيَم العفَّة والعمل والاعتماد على النفس نموذجًا فريدًا لأبناء هذا الوطن. فإن كتبت عنه اليوم، فإنَّ إنجازه لا يُختصر بمقال، ولا يُؤطّر في صفحات، بل نشاهد إنجازاته ماثلة في مُدُن مشيَّدة وطُرق وعرة صارت معبَّدة وجبر خواطر كل من يقصده في بيته أو في مكتبه أو حتى وهو في الطريق، فهو بتواضعه وكرمه وطيبته يألف ويؤلف ويُحبه كل من يقابله لأول مرة، يمكنني تلخيص إنجازه بجملة واحدة: هذا ما تفعله العفَّة حين تسكن قلب رجُل.

د ـ أحمد بن علي المعشني

رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية