أعادتني صورة لمجموعة من شباب الأعظميَّة والكرخ في ستينيَّات القرن الماضي إلى ذلك الزَّمان الجميل من تاريخ بغداد، كان يحتفظ بها الأخ باسل عثمان، رغم مرور أكثر من نصف قرن على التقاطها. وعثمان يتوسط الجمع وعلى يساره المرحوم فؤاد معروف، كما يظهر في الصورة آخرون من الصَّوبَيْن، في لقطة جسَّدت معاني المَحبَّة والتَّلاحم الوطني في ذلك الزَّمان الَّذي كان عنوانه وحدة الصَّف في مواجهة التَّحدِّيات في تلك الفترة من تاريخ العراق. وما يُميِّز الصُّورة تنوُّع المواقف السِّياسيَّة للظَّاهرِين في الصُّورة، وتسجِّل للأعظميَّة والكرخ ورموزهما في تاريخ العراق أروع صفحات التَّضحية والفداء. وجسَّدتِ الصُّورة وشخوصها معاني وحَّدتِ الموقف في ذلك الزَّمان كانتْ لمجموعة شباب يدافعون عن عروبة العراق في مواجهة التيَّار الشُّعوبي الَّذي حاول أن يضعَ العراق في غير مكانه التَّاريخي الَّذي أدَّى إلى تلاقي التيَّارَيْنِ البعثي والقومي، في مُهِمَّة عروبيَّة كانتْ عنوانًا لمَسيرةِ طويلة قدَّم الطَّرفان فيها أغلى التَّضحيات على طريق ثبات الموقف القومي العربي. وللتَّاريخ فإنَّ ما يميِّز مكانة الأعظميَّة وتاريخها الوطني وتضحيتها في مَسيرة العراق يجد صداه في الكرخ، في توأمة قلَّ حدوثها.. فالكرخ مثل الأعظميَّة كانا سدًّا منيعًا في مواجهة رياح الشُّعوبيَّة دفاعًا عن عروبة العراق. وليس بعيدًا عن دَوْر الأعظميَّة والكرخ في تاريخ العراق فإنَّهما سجَّلا قصَب السَّبق في رفضِ مبرِّرات الاحتلال من خلال مقاوَمة باسلة كانتْ هي أسرع مقاوَمة في التَّاريخ الَّتي انطلقتْ بعد يوم من غزو العراق واحتلاله. ومهما حاولنا أن نعدِّدَ أسباب توأمة الأعظميَّة والكرخ فإنَّ الرَّاشح من تاريخهما المُشرق يُشير إلى أنَّهما كانا رأس النّفيضة في ميادين الدِّفاع عن العراق وحدوده وسيادته مِثلما كانا في طليعة المجاهدِين في عمليَّة البناء والإعمار وميادين العِلم والمعرفة. ومدينتان تحظيان بهذا الكمِّ الهائل من المنجز والتَّلاقي عَبْرَ تاريخهما المُشرق تستحق منَّا كُلَّ التَّقدير ينبغي تذكير الأجيال بِدَوْرهما الرَّائد كشهادة للتَّاريخ لصرحَيْنِ عاليَيْنِ ننهل من مَعين المتحقِّق في دَوْرهما عَبْرَ مَسيرة العراق الَّذي سيبقى سندًا لأُمَّته ومشروعها القومي النَّهضوي. وأختم بالقول إنَّ الأعظميَّة والكرخ ليسَتْ قصَّة مدينتَيْن، وإنَّما قصَّة مدينة باسلة واحدة جسَّدتْ عروبة العراق ووحدة الموقف؛ لأنَّ قدرهما أن يكُونُا مدينةً واحدة لا يفرقهما نهر دجلة، وإنَّما يضيف لهما أروع معاني المَجد والكبرياء والانتماء، كما جسَّدتِ الصُّورة ورموزها وحدة المدينتَيْنِ الَّتي لم تنلْ مِنْهما عاديات الزَّمن لِتبقَى شاهدًا حيًّا كمدينة واحدة كانتْ وستبقَى عصيَّة على مَن يحاول أن يفكَّ عُرى الأخوَّة والتَّحالف الأبدي بَيْنَهما.
أحمد صبري
كاتب عراقي