ضجَّتْ مواقع التَّواصُل في مصر، بقصَّة اكتشاف وزير الثَّقافة أثناء جولة له في مدينة الأقصر بصعيد مصر؛ لتفقُّدِ أعمال التَّطوير بأحَد قصور الثَّقافة، حفرة عميقة داخل إحدى غُرف القصر، وتبَيَّنَ أنَّ شركة المقاولات المكلَّفة بالتَّطوير اختارتْ هذا الموقع تحديدًا، وعرضتْ تشييد قصر الثَّقافة مجانًا وإهداءه للمحافظة، ولكن حظّها العاثر أنَّ موعد الافتتاح اقترب ولم تعثرْ على الآثار، بعدما حفرتْ لعُمقِ (11) مترًا؛ بناء على نصيحة أحَد دجَّالي الآثار، الَّذي أكَّد لصاحبِ الشَّركة وجود كنز من الآثار الفرعونيَّة أسفل المنزل الَّذي خصّص الدَّوْر الأرضي مِنْه لقصر الثَّقافة، وافتُضح أمْر الشَّركة، وأبلغ الوزير الشُّرطة والنّيابة للتَّحقيق في الواقعة. وانتشرتْ حمَّى التَّنقيب الشَّعبي عن الآثار، في إطار ظاهرة البحث عن الثَّراء السَّريع الَّتي عرفَتْها مصر في العقود الأخيرة، وتحَوَّلتْ إلى صداع يؤرق الأجهزة الثَّقافيَّة والأمنيَّة، بعدما انتشر الحفر داخل المنازل القديمة القريبة من المعابد الفرعونيَّة الأثريَّة. ورغم تجريم القانون المصري للتَّنقيب عن الآثار، ما زال هناك كثيرون يعميهم بريق الذَّهب، ويعتقدونَ أنَّه حقٌّ أصيل لصاحِب المنزل.. ووفقًا لإحصائيَّات وزارة الداخليَّة، تمَّ ضبط (3364) قضيَّة تنقيب خلال شهر مايو الفائت فقط، وأكَّد أحَد المقبوض عَلَيْهم شرعيَّة ما ارتكبه، مستندًا لِفتَاوى من بعض المُتشدِّدين بإجازة الانتفاع بالذَّهب الفرعوني المعثور عَلَيْه، ضِمن فتاوى تدعو لإزالة التَّماثيل الفرعونيَّة والتَّخلُّص مِنْها؛ كونها من الأصنام، وأنَّ محتويات باطن الأرض حقٌّ أصيل لصاحِب العقار، ويحقُّ له الانتفاع به، ببيعه لغير المسلِمِين، وإخراجه خارج البلاد، بدلًا من وضعه في المتاحف، حتَّى لا يحجَّ إِلَيْها النَّاس للتَّبرُّك بهذه الأصنام وارتكاب المحرَّمات، مؤكِّدين أنَّه لا يوجد دليل شرعي على حرمة التَّنقيب عن الآثار. لذلك نادرًا ما يبلِّغ شخص في مصر الجهات الرَّسميَّة عن عثوره على آثار أسفلَ منزلِه، رغم أنَّ دار الإفتاء المصريَّة أصدرتْ مؤخرًا فتوى بتحريم التَّنقيب الشَّعبي عن الآثار، والتَّصرُّف فيها أو حيازتها؛ لأنَّها تُعَدُّ من الأموال العامَّة للدَّولة، ولوليِّ الأمْر وحده دُونَ غيره حقُّ التَّصرُّف فيها، بما يَعُود بالنَّفع على أفراد المُجتمع، إلَّا أنَّ الطَّمع والخرافة والدَّجل تغلَّبتْ على الفتوى الرَّسميَّة. استغلَّ بعض النَّصَّابِينَ طمعَ البعض، وزعموا قدرتهم على الوصول إلى أماكن الذَّهب الفرعوني، عن طريق بعض الطُّقوس الَّتي يصاحبها إشعال أنواع من البخور النَّادرة، وقراءة «أوراد» من بعض كتُب السِّحر القديمة، ويدَّعون قدرتهم على فكِّ الطَّلاسم، وتحديد مكان الكنز، وبعضهم حرَّض على ارتكاب جرائم ذبح لأطفال أبرياء وحيوانات ونَثْر دمائها داخل الحفرة، زاعمًا أنَّها قربان لإرضاء الجِنِّ المسؤولين عن حراسة المقبرة. هناك عصابات دوليَّة محترفة، وراء استفحال هذه الظَّاهرة، تَقُوم بشراء القِطع الأثريَّة من المُنقِّبِينَ، وتَقُوم بتهريبها إلى خارج البلاد؛ لِبَيعِها بأثمانٍ مضاعفة، وقد كشفتِ الأجهزة الأمنيَّة حاوية في أحد الموانئ البحريَّة مليئة بالآثار الفرعونيَّة قَبل تهريبها للخارج، كانتْ في طريقها إلى الموانئ الإيطاليَّة تمهيدًا لِبَيعِها في مزادات عبر الإنترنت، حيثُ إنَّ مُعظمَها آثار غير مسجَّلة، وبالتَّالي لا يُمكِن استردادها؛ لأنَّها اكتُشفت بعيدًا عن الأجهزة الرَّسميَّة. ويَلْقى العشرات حتْفَهم كُلَّ عام؛ جرَّاء عمليَّات التَّنقيب الشَّعبي، حيثُ يتمُّ الحفرُ لأعماقٍ سحيقة بشكلٍ عشوائي، دُونَ مراعاة الطُّرق الهندسيَّة ووسائل الأمان اللازمة، ممَّا يؤدي لانهيار «الرَّدم» فوق رؤوس المُنقِّبِينَ، الَّذين يضطر أهلهم الإبلاغ عن الجريمة؛ لعجزهِم عن استخراج جثامين ذويهم الَّتي دُفنتْ تحت الرُّكام، وتحتاج لمعدَّاتِ ثقيلة لاستخراجها.
محمد عبد الصادق
كاتب صحفي مصري