الثلاثاء 03 يونيو 2025 م - 7 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

المراكز الوطنية للإحصاء والمعلومات ركيزة أساسية فـي دعم التخطيط الاستراتيجي للحكومات

المراكز الوطنية للإحصاء والمعلومات ركيزة أساسية  فـي دعم التخطيط الاستراتيجي للحكومات
الأحد - 01 يونيو 2025 07:23 م

د. عبدالله بن خلفان العزري

50

في عالَم تتسارع فيه التحدِّيات وتعقيدات العصر الحديث، حيثُ تداخل العوامل الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والتكنولوجيَّة والبيئيَّة، تظلُّ الإحصاءات والمعلومات الدَّقيقة والتَّحليلات الموضوعيَّة سلاحًا استراتيجيًّا لتحويل الطُّموحات إلى واقع ملموس، وبناء اقتصادات مَرِنة، ومُجتمعات عادلة من خلال اتِّخاذ القرارات الاستراتيجيَّة الفعَّالة. فلهذا تُعَدُّ المراكز الوطنيَّة للإحصاء والمعلومات قاعدة مستدامة لدعمِ صناعة القرار، ورسم الخطط والمشاريع. فهي شريك استراتيجي في صناعة المستقبل للحكومات، وجهات فاعلة ومحوريَّة في تمكين مؤسَّسات الدوَل من رسم سياسات مستنيرة، وقياس التَّقدُّم نَحْوَ الأهداف التنمويَّة المُخطَّط لها، ومواجهة التحدِّيات الطَّارئة بفعاليَّة. ويعتمد نجاح هذه المراكز على دمج التكنولوجيا الحديثة، وضمان الاستقلاليَّة المهنيَّة، وإشراك المُجتمع في فَهْمِ دَوْر البيانات والمعلومات، وأهميَّتها في اتِّخاذ قرارات مدروسة ودقيقة. هذا وتكمن الأهميَّة الاستراتيجيَّة لمراكز الإحصاءات الوطنيَّة في تأسيس رؤية قائمة على بيانات وإحصاءات ومعلومات دقيقة، ولمختلف المجالات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والصحيَّة والبيئيَّة والتَّعليم وغيرها، وذلك من خلال التَّحديثات الدَّوْريَّة لها، وهذا بِدَوْره سيُسهم في تحديد أولويَّات وطنيَّة دقيقة، وتقييم مدى نجاح السِّياسات الوطنيَّة. وفي عصر البيانات المتسارعة، تُسهم إحصاءات وبيانات ومعلومات المراكز الوطنيَّة في توجيه الاستثمارات نَحْوَ القِطاعات الواعدة مِثل التكنولوجيا الخضراء والذَّكاء الاصطناعي، وتُعزِّز من التَّعاون بَيْنَ القِطاعَيْنِ العامِّ والخاصِّ، حيثُ إنَّ هذه الإحصاءات والمعلومات تُعَدُّ الوقود الأساس للاقتصاد القائم على المعرفة. إنَّ من أبرز التحدِّيات الَّتي تواجه المراكز الوطنيَّة للإحصاء والمعلومات، وخصوصًا في هذا العصر، والَّتي غالبًا ما تؤدي إلى ضعف القدرة في اتِّخاذ قرارات آنيَّة ومناسبة هي جودة البيانات وحداثتها بسبب الفجوات الزمنيَّة بَيْنَ جمعها ونشرها. كما أنَّ التَّحوُّل الرَّقمي، وخصوصًا في الأمن السيبراني وحماية الخصوصيَّة، زادَ من مخاطر اختراق قواعد البيانات الحسَّاسة، والَّذي بِدَوْره يتطلب استثمارات في البنية الأساسيَّة الأمنيَّة. وعلى الحكومات تكثيف الوعي بأهميَّة الإحصاءات والبيانات، وخصوصًا للمؤسَّسات الحكوميَّة والخاصَّة، فهي تُعَدُّ أداة استراتيجيَّة لصنعِ واتِّخاذ قرارات ذات تأثير إيجابي عالٍ، حيثُ إنَّ بعض المؤسَّسات لا تزال تعتمد على الخبرات الشخصيَّة أو التَّقديرات التقريبيَّة بدلًا من البيانات والإحصاءات الدَّقيقة، والَّذي بِدَوْره يقلِّل من تأثير العمل الإحصائي وأهميَّته. وإنَّ من أبرز المراكز الوطنيَّة في العالَم، هيئة الإحصاء الكنديَّة والَّتي تقدِّم بيانات وإحصاءات آنيَّة عَبْرَ منصَّات تفاعليَّة، وتدمج الذَّكاء الاصطناعي في تحليلات الاتِّجاهات المختلفة، وخصوصًا الاتِّجاهات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، كما أنَّ الهيئة العامَّة للإحصاء ـ بالمملكة العربيَّة السُّعوديَّة ـ أطلقتْ مبادرات لتعزيزِ الشفافيَّة والَّتي دعمتْ رؤية 2030 للمملكة بمؤشِّرات دقيقة حَوْلَ التَّنويع الاقتصادي وجودة الحياة كمبادرة «منصَّة إحصاء». هذا وإنَّ سنغافورة اعتمدتْ على نماذج تنبؤيَّة قائمة على البيانات لمواجهة التحدِّيات المختلفة وخصوصًا الشيخوخة السكَّانيَّة أو تغيُّر المناخ. أمَّا المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في سلطنة عُمان، فأنشئ لِيكُونَ رائدًا في تلبية احتياجات الحكومة من الإحصاءات الرَّسميَّة والبيانات والمعلومات الموثوقة والدَّقيقة؛ لِتكُونَ أداة استراتيجيَّة لوضع الخطط الوطنيَّة والسِّياسات المستنيرة والبرامج التنمويَّة على مختلف الأصعدة. ويعمل المركز منذُ نشأته على تقديم العديد من الإحصاءات والمؤشِّرات التنمويَّة الَّتي يُمكِن استغلالها في عمليَّة التَّخطيط الاستراتيجي، لا سِيَّما أنَّ تلك الإحصاءات تتميَّز بالجودة والوفرة، الأمْر الَّذي مكَّن حصول السَّلطنة على المركز الأوَّل بَيْنَ دوَل غرب آسيا والتَّاسع عالَميًّا في البيانات المفتوحة لعام 2024م. كما عمل المركز على استغلال السجلَّات الإداريَّة كمصدر أساسٍ للبيانات الرَّسميَّة خلال تنفيذه لتعداد عام 2020م. وختامًا، إنَّ إنشاء مراكز البيانات الضَّخمة ومراكز علوم البيانات ستُعزِّز من جودة البيانات والمعلومات والإحصاءات وعمليَّة تحليلها وبالتَّالي جودتها ودقَّتها. وإنَّ التَّكامل بَيْنَ المؤسَّسات المختلفة ومراكز الإحصاءات الوطنيَّة، وتحقيق الإفادة القصوى من البيانات والإحصاءات والمعلومات هو أساس دعم التَّخطيط الاستراتيجي، وصنع القرارات المستنيرة، وتحقيق الأهداف والأولويَّات الاستراتيجيَّة المرجوَّة في مختلف المجالات وخصوصًا الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والصحيَّة والتكنولوجيَّة والتَّعليميَّة والبيئيَّة.

د. عبدالله بن خلفان العزري

كاتب عماني