مسقط ـ «الوطن»:
حصل الباحث يونس بن جميل النعماني على درجة الدكتوراة، في التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عبد المالك السعدي بالمملكة المغربية، تحت إشراف الأستاذ الدكتور مصطفى عبدالله الغاشي عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية الأسبق، وأستاذ التاريخ الحديث. وحاز الباحث على درجة مشرف جدًا، وذلك ضمن برنامج المنح الدولية المقدمة من المملكة المغربية لطلبة سلطنة عُمان عن طريق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار. وجاءت الأطروحة بعنوان: المعتقدات الشعبيَّة في سلطنة عُمان خلال القرن العشرين (1900 -2000م)، دراسةٌ تحليليةٌ في التاريخِ الاجتماعي (مقاربةُ أنثروبولوجية). يقول الباحث يونس النعماني: إن دراسةَ التاريخِ الاجتماعي من خلالِ المعتقداتِ الشعبيّةِ يجعلنا نفهمُ السلوكَ الإنساني، وأسبابهِ، ومحدداتهِ، وعليه فإننا لا نسعى في هذه الدراسة إلى الدفاع عن معتقداتٍ أو طقوسٍ لجماعةٍ معينةٍ، ولا تختص بدينٍ دون آخر أو فِرْقةٍ أو مذهبٍ، إنما نتناول هذه المعتقداتِ في قالبٍ تاريخيٍ فلسفي، أو كما عبر عنه عبد الجبار الرفاعي بالعقل الفلسفي، ذلك إن أفكارَ الشعبِ تنداح في الحِكَايات والأساطير والأقوالِ المأثورةِ والأمثالِ الشعبيَّةِ التي تمثلً مجازيًا كامل حياة الناس من واقع خبراتهم وتجاربهم. وقد وضع الباحث الدراسة ضمن الإطار الزماني والمكاني، لتحقيق أهدافها، حيثُ حدد القرن العشرين الميلادي (1900 -2000م)، وهو الزمن الذي تغيَّرت فيه أحداث كثيرة في سلطنة عُمان، نتيجة لظروفٍ متعددةٍ، تحاول الدراسة رصدها وتأثيرها على الإنسان من الناحيةِ الاجتماعية. أما الإطار المكاني للدراسة فتمثلُ في اختيار عدة محافظات في سلطنة عُمان، وهي: محافظة مسندم ومحافظة شمال الباطنة ومحافظة جنوب الباطنة ومحافظة مسقط ومحافظة جنوب الشرقية ومحافظة ظفار. وقد جاء اختيار هذه المحافظات دون غيرها، كونها محافظاتٍ ساحليةٍ، ولأن الساحلَ أكثر انفتاحًا من الداخل في استقبال مؤثراتٍ حضارية، والاندماجِ في المعتقداتِ الشعبيَّةِ موضوع الدراسة، مع أخذ بعض المحافظاتِ الداخليةِ على سبيل المقارنة والتحليل. وتجيب الدراسة على جملة من التساؤلات الرئيسة في ذهن الباحث، منها: ما أهميةُ دراسةِ الثقافةِ الشعبيَّةِ ومن بينها المعتقداتِ في المجتمعاتِ ككل والمجتمعِ العُماني خاصةً؟ ولماذا تبقى النماذجُ الإحيائيةُ الموغلةُ في القِدمِ في أذهان المجتمعاتِ الثقافية كذاكرةٍ جمعيةٍ، ومنها المجتمع العُماني؟ هدفت الدراسةُ إلى تحقيقِ جملةٍ من الأهدافٍ، من بينها: التعرَّفُ على مفاهيمِ المعتقداتِ الشعبيّةِ، والتراثِ الشعبي (الفلكلور)، والذهنيّات. وبيانُ العلاقةِ بين البيئةِ والمعتقداتِ الشعبيَّة، فضلاً عن إبرازُ أثر المعتقدِ الشعبي في التفكيرِالجمعي للأفراد، والكشفُ عن المعتقداتِ الشعبيَّةِ في سلطنة عُمانَ في القرن العشرين المتعلقة بدورة حياةِ الإنسان، وكذلك توضيحُ دور الكائنات الماورائية في الذهنية العُمانية خلال فترة الدراسة. وترجع أهمية الدراسة، في إنها تسعى إلى تقديم صورةٍ عن المعتقداتِ والتقاليد التي يمارسها السكان في مناطقِ كثيرةٍ من سلطنة عُمان، بعضها انقرض وتلاشى، نتيجةً لظروفٍ متداخلةٍ، لعل أبرزُها تعارضها مع تعاليم الدين الإسلامي، كما أن تحسَّن الظروف الاقتصادية والتنموية قد أسهمَ بشكلٍ أو بآخر في تلاشي بعض المعتقدات من العقل الجمعي. قُسّمت الدراسة إلى ثلاثة أبواب وثمانية فصول، بالإضافة إلى الفصل التمهيدي ومقدمة وخاتمة. فالتمهيد تطرق فيه مقدمة نظرية عن الآراء والمعتقدات وكيفية تشكلّها، ودورها في النظم الاجتماعية. وفي الباب الأول تناول «المعتقدات الشعبيّة في دورة الحياة (طقوس العبور): مرحلة الولادة (الطفولة)، الزواج، الموت». أما الباب الثاني فقد جاء عنوانه (المعتقدات الشعبيّة المتعلقة بالبيئة والطبيعة). فيما تناول الباب الثالث: (الكائنات الماورائية والمعتقد البحري)، حيث حَفِلَت الأساطير والمعتقدات الشعبيَّة بالكثير من ألوان تصوير هذه الطبيعة المزدوجة بالنظر إلى الكون والعالم الباطن والظاهر، والإلهي والشيطاني، وقد تأثرت المخيلة الشعبيَّة بهذه الطبيعة المزدوجة للإنسان، ووصلت إلى حد الاعتقاد بها، ومارست طقوسًا خاصة بهذه الكائنات غير المرئية (الماورائية). وقد توصلت الدراسة إلى عددٍ من النتائجِ، إذ كشفت الإطروحة عن ثراء التنوع الثقافي والفكري والشعبيَّ في سلطنة عُمان إبّان فترة الدراسة المتمثلة في المعتقد الشعبي والممارسات الطقوسية المصاحبة له، كما توصلت الدراسة إلى أن البيئة الساحلية استوعبت نماذج متنوعة من المعتقدات والطقوس مقارنة مع غيرها من المناطق الداخلية، فضلاً عن أثر هذه المعتقدات في النواحي النفسية والاجتماعية لأفراد المجتمع العُماني، الذي ربط حياته وقلقه في ممارسة هذه الطقوس والمعتقدات الشعبية.