الثلاثاء 03 يونيو 2025 م - 7 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

المكاسب البسيطة.. نجاح مستمر

المكاسب البسيطة.. نجاح مستمر
الأحد - 01 يونيو 2025 05:38 م

د. خصيب بن عبدالله القريني

20

تُشكِّل الرَّغبة في تحقيق النَّجاح في الحياة هاجسًا ومطلبًا لكُلِّ إنسان على ظهر البسيطة، فمَن منَّا لا يُحبُّ أن ينجحَ في حياته؟ لا أحد.. الكُلُّ يسعَى للنَّجاح؛ لأنَّه الطَّريق الَّذي من خلاله يُحقِّق طموحاته وأهدافه ويُحقِّق سعادته النسبيَّة، ورغم الإيمان بأهميَّة هذا الهدف، إلَّا أنَّ وسائل تحقيقه تختلف اختلافًا متباينًا باختلاف البيئة الَّتي ينشأ فيها الفرد والعوامل الأخرى، سواء كانتْ مرتبطة به أو بمُجتمعه، وسواء كانتْ عوامل بَشَريَّة أو طبيعيَّة. وهنا يختلف نوع النَّجاح ومستواه، ويظلُّ الإنسان في النِّهاية هو مَن يُحدِّد كُلَّ ذلك، فنجد كثيرًا من الأفراد الَّذين حقَّقوا نجاحات باهرة رغم أنَّ الظُّروف المتوافرة لدَيْهم كانتْ تثبط من طموحاتهم ولا تساعد على تحقيق أهدافهم، ولكن بالعزيمة والرَّغبة والإصرار استطاعوا أن يتجاوزوها، وفي المقابل هنالك الكثير من البَشَر والمهيَّأ لَهُم جميع الظُّروف المناسبة لتحقيقِ النَّجاح ولكن يظلون «محلَّك سِر»، لا يَسعوْنَ لتحقيقِ نجاح أو إنجاز عمل مميّز، والفارق ـ كما أشرتُ ـ الشَّغف والرَّغبة في تحقيق النَّجاح، وفي الواقع أنَّ القاعدة تُثبت أنَّ مُعْظم النَّاجحين هم الَّذين تحدّوا الظُّروف وليسوا مَن توافرت لهم الظُّروف والعالَم مليء بالأدلَّة والإثباتات على هذا التَّعميم. ولكنَّ السُّؤال المُهمَّ هنا: كيف يُمكِن الحفاظ على استمراريَّة النَّجاح؟ هنالك قاعدة أساسيَّة تُسمَّى (تراكم المكاسب الهامشيَّة) حيثُ طبَّقها (ديف بريلسفورد) والَّذي عُيِّن مديرًا للأداء في فريق الدرَّاجات الهوائيَّة الإنجليزيَّة في بداية القرن الحالي، حيثُ ـ كما هو معروف ـ أنَّ فريق الدرَّاجات الإنجليزيَّة لم يحققْ نتائج تُذكر طوال مئة عام الَّتي سبقتْ تولِّيه هذا المنصب، لدرجة أنَّ بريطانيا لم تحققْ سوى ميداليَّة أولمبيَّة واحدة في هذا المجال. وعِندَما تولَّى (بريلسفورد ) المُهِمَّة لم يركزْ على وضع خطَّة عامَّة تتمحور حَوْلَ موضوع سباقات الدرَّاجات الهوائيَّة كما هو متعارف عَلَيْه، بل اتَّجه لتطويرِ جوانب بعيدة ظاهريًّا عن هذا المجال، فبدأ بإعادة تصميم مقاعد الدرَّاجات لتوفيرِ الرَّاحة القصوى، واختيار نَوع الوسائد الَّتي ينام عَلَيْها المتسابقون، كما عيَّن أطبَّاء لتعليمِ الدرَّاجين كيفيَّة تجنُّب الأمراض البسيطة مِثل الإنفلونزا، كُلُّ هذه الإجراءات إجراءات يُنظر لها على أنَّها هامشيَّة، لكن وبعد خمس سنوات اكتسح الفريق الإنجليزي سباقات الدرَّاجات الهوائيَّة حيثُ حقَّقوا (60%) من الميداليَّات المُخصَّصة لهذه السِّباقات في أولمبياد بكين 2008، وهذا لم يكُنْ إلَّا البداية حيثُ واصلوا تحقيق الأرقام القياسيَّة بدءًا من أولمبياد لندن 2012، وما تبعه من سباقات. والنَّجاحات الَّتي تحقَّقتْ تعود في الأساس لجوانب وتكنيكات بسيطة ولكنَّها مستمرة، والدَّليل على ذلك أنَّهم لم يعطوا هذه الجوانب البسيطة اهتمامًا في السَّنوات الماضية فلم يُحقِّقوا ما حقَّقوه حاليًّا. ما نَوَدُّ استنتاجه من هذه القصَّة المرتبطة بالنَّجاح، أنَّ الكثير منَّا يستعجل النَّجاح ويريده كاملًا، ويركِّز على مجال النَّجاح الَّذي يريده فقط متناسيًا أنَّ هنالك مكاسب لو حقَّقها ستساعده في تحقيق النَّجاح الَّذي يسعَى له دُونَ كثير عناء، فالنَّجاح منظومة متكاملة لا يُمكِن فصل مجالاتها عن بعض. فالنَّجاح هو عبارة عن مراحل، وكُلُّ مرحلة لا تكتمل إلَّا بالعمل المستمر الَّذي لا يكُونُ مضاعفًا فقط، بل مستمرًّا، والتَّركيز على مختلف الجوانب في الحياة مهما كانتْ صغيرة يُحقِّق في النِّهاية النَّجاح الكبير. فالاهتمام بالمظهر الشَّخصي هو أحَد المكاسب الهامشيَّة الَّتي تساعد على النَّجاح، والقدرة على تكوين علاقات وصداقات مُجتمعيَّة جانب آخر والاهتمام بأُسرتك وأبنائك هو أحد الجوانب الرَّئيسة في تحقيق النَّجاح واهتمامك بالتَّرفيه عن نَفْسِك وعن عائلتك مكسب هامشي يساعدك في تحقيق النَّجاح والتَّطوُّر في مجال عملك، وهكذا دواليك... وإذا كانتِ الظُّروف المساندة هي الأساس الَّتي نبني عَلَيْها قاعدة النَّجاح افتراضيًّا، فإنَّ الاهتمام بمختلف المكاسب البسيطة الَّتي نُحقِّقها يدعم هذا النَّجاح ويُعزِّز تطوُّره واستمراريَّته.

د. خصيب بن عبدالله القريني

[email protected]