الاثنين 02 يونيو 2025 م - 6 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

فيتنام.. شعب أطلق شرارة النضالnفحصد جائزة الحرية والتقدم «٢ـ٦»

فيتنام.. شعب أطلق شرارة النضالnفحصد جائزة الحرية والتقدم «٢ـ٦»
السبت - 31 مايو 2025 05:17 م

سعود بن علي الحارثي

ثانيًا: الصَّداقة والطَّيران وتفرُّد فيتنام. قرار الصَّديق أحمد الصواعي ـ وإن جاء متأخرًا ـ بالانضمام إِلَيْنا، كان بمثابة امتياز أضاف بهجة وحماسة ونشاطًا أكبر إلى هذه الرِّحلة الباذخة، فأبو الخطَّاب، يتميَّز بسعة الثَّقافة وروح المرح والدّعابة وتذوُّق الشِّعر ونَظْمه وإن كان إنتاجه متواضعًا. والصَّداقة القائمة على وثاق جملة من المبادئ، كالانسجام والودِّ والوعي والانفتاح والوضوح والمراعاة... تمتاز بالقوَّة والتَّرابط والنُّمو والبقاء والثِّقة، ومصدر أساس للبهجة والسَّعادة والطُّمأنينة والأُلفة، وهو ما أجدُه مع هؤلاء الصَّحب خصوصًا، الَّذين أسعدُ كثيرًا برفقتهم والاجتماع بهم في لقاءاتنا الأسبوعيَّة، ولهم في قلبي الكثير من التَّقدير والحُب... أخذنا من مطار حمد الدّولي، إلى «تان سون نهات»، بهوشي منّه، حوالي سبع ساعات، في ليلٍ بهيمٍ يتأرجح فيه الطَّائر الحديدي المحمَّل بالبَشَر والأمتعة، وسط فضاء تسير فيه سُنن الكون كما أجراها الخالق جلَّ جلاله، بَيْنَ شروق وغروب، موت وحياة، فرح وحزن، انتقال واستقرار، وداع واستقبال، المحيطات والبحار، اليابسة بمُدُنها وقراها وسهولها وأريافها، صحاريها وجبالها أسفل منَّا، والسَّماء بنجومها وشمسها وقمرها وغيومها وصفائها فوقنا، فيا لإنجازات العِلم وما قدَّمه للإنسان من خدمات جليلة وتيسير لمشاق الحياة... يحقُّ لمطار «حمد» الدّولي أن يطلقَ عَلَيْه «مركز العالَم»، فهو مدينة سياحيَّة عالَميَّة تضجُّ بالإبهار، تسيطر على زائره الدَّهشة، عوالم ضخمة متداخلة ومتشابكة داخل عالَم مزدهر بالبَشَر والحركة والأسواق، وأسطول الطَّيران القطري، محطَّاته والمُدُن الَّتي يقصدها وآلاف المسافرين الَّذين يقلُّهم في شبكة تتشكل من مئات الرِّحلات اليوميَّة، كذلك أخطبوط لا يُضاهى، ومن يدَّعي أنَّ شركات الطَّيران لدَيْها نسبة ولو ضئيلة أن تخسرَ وقِطاع السِّياحة عاجز عن قيادة الاقتصادات الوطنيَّة إلى الرَّخاء والازدهار والوفرة فهو يعيش عالَمًا بعيدًا عن الواقع... مطار «تان سون نهات»، بلغ الذّروة في أعداد البَشَر الَّذين استقبلهم لحظة وصولنا إلى «هو تشي منّه»، والقاعة المفتوحة الواسعة والفخمة الَّتي ينهي فيها المسافر إجراءاته، مزدحمة، وطوابير الدَّاخلين إلى المدينة أشْبَه بسيلٍ يتدفق بلا نهاية والمواقع السِّياحيَّة هي الأخرى مزدهرة بالسيَّاح الَّذين يُسهمون في انتعاش الاقتصاد الفيتنامي... مفاجآت فيتنام لا تتوقف والدَّهشة تُلازم قارئ صفحات تاريخها وهو يجوس بَيْنَ محرِّكات البحث مكتشفًا عوالم من محفِّزات الزِّيارة والغنى الثَّقافي والامتداد الحضاري وتنوُّع تقاليد الحياة وبذخ الطَّبيعة وجَمالها... وعلى ضوء الفترة المحدَّدة بأسبوعيْنِ، رسمنا مخطَّط التّطواف بدءًا من الجنوب، مدينة «هو تشي منّه»، والانتقال مِنْها بعد استطلاع أبرز المعالم والمواقع السِّياحيَّة، إلى العاصمة «هانوي»، في الشَّمال، بالطَّيران الدَّاخلي، وتوزيع الأيَّام المتبقية بَيْنَها وبَيْنَ مدينة «سابا»، و»تينه بنه»، ورحلة «الكروز» الفاتنة والمدهشة إلى خليج «هالونج». وفوتنا مدينة «دانانج» في الوسط الفيتنامي، لمشاقِّ التنقُّل السَّريع، وتشابُه الخيارات السِّياحيَّة المتوافرة، وقِصر الفترة المخصَّصة لهذا التّطواف. تقع فيتنام في جنوب شرق آسيا على خليج «تونكين» وبحر الصِّين، عاصمتها الحاليَّة بعد الاستقلال ووحدة الشطريْنِ الشَّمالي والجنوبي «هانوي»، عدَّتْ على ضوء عمليَّات التَّنقيب والاستكشاف ونتائج الأبحاث والدِّراسات، موقعًا لأقدَم الحضارات في هذا الإقليم الآسيوي، بدءًا من حضارة «فونج نجوين»، الَّتي هيمنتْ على البلاد وازدهرتْ في العصر «الحجري الحديث، وبدايات العصر البرونزي»، أي قَبل ألفَي سَنة من الميلاد، وما زالتِ الشَّواهد والآثار حاضرة تعرف بالممالك والأُسر والحضارات الَّتي تعاقبتْ على الحُكم.. خضعتْ بعد هذا التَّاريخ القديم والموغل في الماضي للتَّبعيَّة الصِّينيَّة لحوالي (١٠٠٠) سَنة، بدأت في (١١١) قَبل الميلاد، فكان من نتائجها ازدهار البوذيَّة، الَّتي توّجتْ ديانة رسميَّة للبلاد، وفي عام (١٨٨٥) أصبحتْ جزءًا من مستعمرة الهند الصِّينيَّة ـ الفرنسيَّة، حتَّى الحرب العالَميَّة الثَّانية.. وبسبب الحروب والصِّراعات بَيْنَ القوى الاستعماريَّة على أراضيها، اليابان، الصِّين، ألمانيا، فرنسا... وتفشِّي المجاعة، لَقِيَ مليونا فيتنامي حتْفَهم في عام ١٩٤٤م. في فترة الحرب الباردة، قسّمتْ فيتنام إلى شطريْنِ شمال شيوعي يُدار من قِبل الاتِّحاد السوفييتي والصِّين، وجنوبي تُهيمن عَلَيْه الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة، ما تسبَّب في نشوب الحرب الفيتناميَّة، بَيْنَ القوَّتيْنِ الرَّأسماليَّة والشُّيوعيَّة، وقودُها الشَّعب الفيتنامي، نتجتْ عن هزيمة قاسية مُنيَ بها الأميركان الَّذين أُجبروا على الانسحاب في مارس ١٩٧٣، بفضل بسالة وشجاعة الفيتناميِّين. البرنامج الوثائقي «نقطة التَّحوُّل ـ حرب فيتنام»، الَّذي عرضتْه شبكة «نتفليكس»، قَبل يوم من موعد هذا التّطواف، ألقَى الضَّوء على نتائج التَّدخُّل العسكري الأميركي المسانِد لجمهوريَّة فيتنام الجنوبيَّة الرَّأسماليَّة، بقيادة «نجو دنيه»، ضدَّ جارتها الشَّماليَّة الشُّيوعيَّة بزعامة «هو تشي منّه»، والعمل على إعاقة الوحدة الفيتناميَّة المدعومة من الشَّعب، وأشار إلى أنَّ الإعداد لهذا التَّدخُّل السَّافر تمَّتْ تهيئته وتغذيته قَبل سنوات. فوفقًا لشهادة عددٍ من القادة العسكريِّين الَّذين أجرى البرنامج مقابلات معهم أكَّدوا أنَّ «التَّدريبات العسكريَّة في الستينيَّات من القرن الماضي، تفرض عَلَيْهم أن يصدحوا يوميًّا بأغنية تقول «سأذهب إلى فيتنام، وسأقتل شخصًا من الفيتناميِّين الشُّيوعيِّين بسكِّين أو مسدَّس، وفي كلتا الحالتيْنِ سنكُونُ مستمتعين»، وأشار المحتوى الغني والرَّصين للبرنامج إلى أنَّ عدد المستشارين العسكريِّين الأميركان وصل إلى ستة عشر ألف مستشار في عام ١٩٦٣م، وأكثر من نصف مليون جندي. فيما تناول محور آخر، انهيار ثقة الشَّعب الأميركي في نظامه السِّياسي الَّذي ظلَّ لسنواتٍ يكذب ويزوِّر الحقائق ويقدِّم معلومات مضلِّلة لخوض الحروب والاستمرار في تغذيتها وزيادة الإنفاق العسكري... اعتمدتِ السِّياسة الفيتناميَّة في مرحلة ما بعد التَّحرير على نفض غبار الحروب الشَّرسة والمدمِّرة والتَّعافي من آثارها القاسية على الاقتصاد والمُجتمع والبنية الأساسيَّة، وتَبنِّي خطط الانفتاح وتشجيع العمران وتطوير قِطاعات التَّعليم والسِّياحة والاستثمار وتنويع الدَّخل... ونجحتْ هذه البرامج بفضل الإرادة والخبرة والتَّعليم، فتلألأتِ المُدُن الفيتناميَّة سريعًا بنجوم الحداثة والعصرنة والتَّمدُّن والتَّقدُّم... «يتبع».

سعود بن علي الحارثي

[email protected]