تُعَدُّ الوحدة الخليجيَّة بَيْنَ الدوَل الأعضاء بمجلس التَّعاون الخليجي نموذجًا دوليًّا مميزًا للتَّعاون والتَّلاحم بَيْنَ الدوَل الأشقاء، وقد نصَّت العديد من قرارات الاجتماعات المنعقدة بَيْنَ أعضاء مجلس التَّعاون الخليجي على حثِّ الجهات على العمل المشترك، وفتحِ سُبل التَّعاون بَيْنَ الجهات في المجالات المختلفة، كمجال التَّعليم، ومجال الصحَّة ومجال الجمارك، ومجال الرِّياضة والشَّباب وغيرها من المجالات، وهذا التَّعاون له صوَر متنوعة مثل: تبادل الخبرات، وإقامة الأعمال المشتركة الموحَّدة مثل البرامج التلفزيونيَّة المشتركة الَّتي نفِّذت من قَبل وتوحيد التَّشريعات مثل توحيد قانون الجمارك، وتوحيد الإجراءات، وغيرها من سُبل التَّعاون البناء. وقَبل تنوَّعت مجالات التَّعاون بَيْنَ دوَل مجلس التَّعاون الخليجي مثل مجال التَّعليم والصحَّة، ومن مجالات التَّعاون بَيْنَ دوَل مجلس التَّعاون الخليجي مجال القِطاع غير الرِّبحي، ويتكوَّنُ القِطاع غير الرِّبحي من المؤسَّسات الَّتي تقدِّم خدمات للمُجتمع دُونَ أن تعُودَ الأرباح على المؤسِّسين، بل تخصص هذه الأرباح لمشاريع خدمة المُجتمع وتطويره، وهي ما تُسمَّى بالجمعيَّات أو منظَّمات المُجتمع المَدَني، ويُعَدُّ القِطاع غير الرِّبحي شريكًا فاعلًا مع القِطاع العامِّ والقِطاع الخاصِّ. ونجد في كُلِّ دَولة خليجيَّة أعدادًا كبيرة من المؤسَّسات غير الرِّبحيَّة، مثل الجمعيَّات النسائيَّة، وجمعيَّات رعاية المعوّقين، والمسنِّين، والأيتام، والجمعيَّات الخيريَّة، والجمعيَّات المهنيَّة، والجمعيَّات الشَّبابيَّة، وينظِّم عمل هذه المنظَّمات قوانين وتشريعات خليجيَّة متقاربة ومتشابهة، وسببُ هذا التَّشابه، هو التَّقارب الثَّقافي بَيْنَ مُجتمعات دوَل الخليج العربي.. وبطبيعة الحال، فإنَّ تبادل الخبرات في مجال القِطاع غير الرِّبحي بَيْنَ دوَل مجلس التَّعاون الخليجي دَوْر مفتوح وسلس بحكم التَّقارب الجغرافي، والتَّقارب في خصائص المُجتمعات الخليجيَّة كالخصائص الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثَّقافيَّة. ونحن نقف أمام مبادرة مميزة وهي المبادرة الَّتي قام بها المركز الوطني لتنمية القِطاع غير الرِّبحي، بالرِّياض وباستضافة كريمة من المملكة العربيَّة السعوديَّة، وبالتَّعاون مع الأمانة العامَّة لدوَل مجلس التَّعاون الخليجي، والمكتب التَّنفيذي للمكتب التَّنفيذي لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعيَّة وهو إقامة المَعرِض الدّولي للقِطاع غير الرِّبحي 2025 (إينا) وهو عبارة عن مَعرِض تعرض فيه الجمعيَّات ومنظَّمات المُجتمع المَدَني إنجازاتها، كما تعرض فيه الجهات المختلفة مشاركة المتطوِّعين الَّذين يتعاونون معها لتقديم خدمات للمُجتمع، ويقام على هامش هذا المَعرِض حوالي خمس وعشرين جلسةً علميَّة، تتنوع بَيْنَ محاضرات، وعروض، وجلسات حواريَّة، وعروض لأوراق عمل وأبحاث علميَّة، ليتحولَ هذا التَّجمُّع لمحفلٍ علمي ضخم يشارك فيه جميع دوَل مجلس التَّعاون بهدف تبادل الخبرات والتَّعرُّف على المستجدَّات في مجال القِطاع غير الرِّبحي. كما يشارك في هذه الجلسات العلميَّة خبراء من مختلف المنظَّمات الدوليَّة مثل جامعة الدوَل العربيَّة، والبنك الدّولي. وما يميِّز هذا التَّجمُّع أنَّه يقام في مدينة فريدة من نوعها وهي مدينة محمد بن سلمان غير الرِّبحيَّة، وهي في حدِّ ذاتها نموذج جديد للمؤسَّسات غير الرِّبحيَّة، فهي المدينة غير الرِّبحيَّة الأولى على مستوى العالَم، ليتحولَ هذا التَّجمُّع العلمي الَّذي شارك فيه آلاف من النَّاشطين والمختصِّين في مجال المؤسَّسات غير الرِّبحيَّة من جميع دوَل مجلس التَّعاون الخليجي. والواقع أنَّ تبادل الخبرات بَيْنَ المختصِّين بدوَل مجلس التَّعاون الخليجي يجعل من تجمُّعاتها العلميَّة السنويَّة بيتًا من بيوت الخبرة العالميَّة. ويُعَدُّ هذا التَّجمُّع العلمي السنوي الَّذي ينظِّمه المركز الوطني لتنمية القِطاع غير الرِّبحي فرصة لتكامل الخبرات وتبادل المعرفة بَيْنَ دوَل مجلس التَّعاون، ومن هنا تبرز أهميَّة مثل هذه التَّجمُّعات، ويبرز أثرها على تطوير القِطاع وجهات الاختصاص بما تصدره من توصيات، وهنا نؤكِّد أنَّ تطوير العمل لا يتطلب تطوير الإجراءات الإداريَّة وإقامة الأنشطة، بل يتطلب عقولًا مفكِّرة، ونظرة استراتيجيَّة استشرافيَّة للمستقبل، ومثل هذه التَّجمُّعات تُعزِّز توحيد الرُّؤى وتكامل الجهود في جميع القِطاعات. فاليوم نحتفل بالذِّكرى الرَّابعة والأربعين لتأسيس مجلس التَّعاون لدوَل الخليج العربيَّة، نجد أنَّ آفاق التَّعاون وتبادل الخبرات وتكامل الجهود قد امتدَّ لجميع القِطاعات مثل قِطاع التَّعليم، وقِطاع الصحَّة، والقِطاع الرَّعوي، والقِطاع غير الرِّبحي، وغيرها من القِطاعات فانعكس على حركة التَّنمية والنَّهضة والتَّطوير لتلك الدوَل، حفظ الله دوَل مجلس التَّعاون الخليجيَّة، وأدام الله عَلَيْها نعمة الأمن والأمان... ودُمْتُم أبناء قومي سالِمِين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
[email protected] Najwa.janahi@