لم يكن محمد سوى شابٍّ بسيط، يحمل شهادة الثانوية العامة، يعمل في وظيفة متواضعة بإحدى المؤسسات الحكومية، وظيفة عادية وآمنة وروتينية، لكنها لم تكن تُلبِّي أحلامه وتطلعاته، فقد كان يخفي في أعماقه أمنية رافقته منذ نعومة أظفاره، واستمر طموحه يكبر على استحياء دون أن يبوح به لأنه كان يعتبره صعبًا في بيئة لا تشجع على المغامرة وركوب المخاطر، كان يحلم بأن يصير مضيفًا جويًّا، يتخيل نفسه وهو يحلق في السماء، ويخدم الناس بابتسامة. شاءت الأقدار أن يلتقي الشاب محمد بمديره الجديد، الدكتور ياسر عبيدون، الرجل الذي لم يكن مجرد مدير، بل كان يحمل روحًا مشجعة ونظرة ثاقبة، ولأول مرة، أفصح محمد عن حلمه للدكتور ياسر الذي سأله باستنكار وما الذي يمنع من تحقيق حلمك؟! لم يجد محمد جوابًا، سوى الصمت، لكن الدكتور ياسر تابع حواره مع الشاب لتحطيم صنم الخوف والتردد في أعماقه، نظر إلى محمد وهو يؤكد له بثقة: أنت تستطيع، بإذن الله سوف تكون مضيفًا جويًّا ناجحًا! هل تعرف أحدًا ممَّن تعرفهم استطاع أن يتدرب ويتوظف مضيفًا جويًّا، فردَّ محمد قائلًا: طبعًا، هناك العديد من زملائي ممَّن صاروا طيارين وبعضهم صاروا مضيفين جويِّين ويعملون على متن رحلات دولية، فردَّ عليه الدكتور ياسر قائلًا: إذا استطاع شخص غيرك أن يخوض هذه التجربة فأنت بكل تأكيد تستطيع، واستطرد الدكتور قائلًا بثقة: «بإذن الله، ستكون أفضل مضيف جوِّي، فقط آمِن بنفسك وابدأ.» ومن هنا بدأت رحلة الشَّاب الطموح الذي اكتسب الجرأة بأن يحلم وبأن يجعل حلمه مشروعًا ويضع المشروع على منصة الإنجاز.. التحق محمد بدورة لتطوير مهارات اللغة الإنجليزية، لكنه أخفق في المحاولة الأولى، وكاد أن يصاب بالإحباط لولا أن وجد في الدكتور ياسر ذلك المشجع الذي لم يسمح له بالتخلي عن حلمه بل شجَّعه وقلَّل من وطأة الإحباط دافعًا به لأن يعيد الكرة ويخوض المحاولة، مؤكدًا قاعدة اكتسبها من دوراته وتجاربه السابقة: ليس هناك فشل، وإنما هناك تجارب وخبرات. ضاعف محمد من أوقات القراءة والتحدث باللغة الإنجليزية وخاض اختبارات تجريبية ثم جلس للاختبار في نسخته الثانية واستطاع بفضل الله تعالى أن يجتازه وأن يخوض بقية الاختيارات التخصصية بنجاح، وبعدها بدأ التدريب التخصصي فكان عليه أن يتخذ القرار الأصعب وهو: تقديم استقالته من وظيفته المريحة والآمنة، لأن بعض البرامج التدريبية تتطلب منه السفر والتفرغ، واجه الخوف والشك؛ خصوصًا عندما حاصره المشككون والمحبطون بتعليقاتهم: أنت مجنون تتخلى عن وظيفة حكومية مريحة وتقامر في برامج تدريبية غير مضمونة العواقب، لكنه لم يصغِ، قرر أن يصنع مستقبله بنفسه، اجتاز التدريبات، وتفوق، وتخرج، وأصبح مضيفًا جويًّا مرخصًا دوليًّا، تغيَّر كل شيء: شخصيته، تفكيره، دخله المالي، علاقاته، أصبح ينظر إلى الحياة من ارتفاع شاهق، كما يفعل في عمله اليومي. وذات يوم، وبينما كان الدكتور ياسر مسافرًا على متن رحلة دولية، فوجئ بأن من يقدِّم له الضيافة كان هو المضيف الدولي محمد بشير سويلم، كان يرتدي بدلة أنيقة، شخصية ناضجة وملامح شاب يثق بنفسه فعانق أستاذه بامتنان، وأخبره بأن الحلم لم ينتهِ، وأن جمرة الطموح لم تنطفئ؛ لأن محمدًا الذي تعلَّم أن لا مستحيل مع الإصرار، ثابر ثم التحق ببرنامج تأهيلي أعلى يؤهله ليكون طيارًا. درس، وتدرَّب، ثم اختبر، ونجح، وبعد فترة، أرسل مقطعًا مرئيًّا إلى معلِّمه الدكتور ياسر عبيدون، وهو يقود طائرة بوينج في الأجواء الدولية قائلًا: «لقد صرت طيارًا، بفضلك بعد توفيق الله.» هذه ليست فقط قصة نجاح، بل ملحمة جديدة، لشابٍّ آمَن بحلمه، واجَه خوفه، وتجاوز واقعه، وخلق لنفسه مستقبلًا يليق بطموحه. محمد بن بشير بيت سويلم يختصر فلسفته للنجاح في الحياة بجملة واحدة: «من أراد، استطاع».
د. أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشريية