الجمعة 30 مايو 2025 م - 3 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

كيف ينفي الحج الفقر؟! «3»

الأربعاء - 28 مايو 2025 05:42 م

توقف بنا الحديث أيها الأحباب عندما يأخذ الحاج جرعة إيمانية من مناسك حجه وشعائره، فيرضى من دنياه بالقليل فتراه ظّاهر هيئته يعيش عيشة الفقراء البسطاء، لا تستهويه ملذات الدنيا ولا زينتها، ويحقق الله تعالى له في الباطن القناعة بالقليل فتراه يستمتع بما وهبه الله تعالى من نعم كما يستمتع الأغنياء فهو واحد منهم، (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغنَى) أي: فأغناك فأرضاك بما أعطاك من الرزق، وأقنعك وقنعك وأغنى قلبك». تفسير الزمخشري (4/‏ 768)». إذن الغنى هنا بالقناعة وغنى النّفس، فالسورة مكّية، ولم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم آنذاك له من الأموال إلا القليل، هذا بالنسبة للغني المادي المحسوس الذي يعيده الله تعالى على الحاج الذي يحج بيت الله الحرام فيبدله سبحانه بماله غنى وقناعة يجعلاه في يعيش في حالة الغنى الحقيقي التي لا ينظر إلى غني سواه أو تؤويه إلى شيء من العوز، ومن الأسباب التي تنفي الفقر ما يقوم به الحاج من كثرة الدعاء منذ أن ينوي الحج وإلى أن يعود منه، فلا يزال يلهج بدعاء ربه لا يفتر عنه، ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: أَتَى عَلِيًّا - رضي الله عنه - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي عَجَزْتُ عَنْ مُكَاتَبَتِي فَأَعِنِّي ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَنَانِيرَ لَأَدَّاهُ اللهُ عَنْكَ؟، قُلْتُ: بَلَى ، قَالَ: قُلْ: « اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ « الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (33/‏ 181)، ومن نفي الفقر المعنوي أيضاً نفي الذنوب عن الحاج ومَحوُهَا جمِيعًا فبمغفرتها فقد أزالها الله تعالى عنه، ولا شك أن كثرة الذنوب والآثام تمنع زيادة الرزق، وأن البعد عنها بالحج المبرور، فتكفير ما مضي من معاص وذنوب بهذا الحج لهو من ضمن أسباب زيادة الرزق، ففي «شعب الإيمان (12/‏ 465)»عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ , وَلَا يَرُدُّ الْقَدْرَ إِلَّا الدُّعَاءُ , وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ «، وكما قال في الحديث الآخر المشهور «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». صحيح البخاري (3/‏ 11) وغيره، ويؤيّد ذلك جملة من الحديث الذي نحن بصدده ألا وهي قوله (كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ)، والكير هو أدلة تستعملها الحدّاد للنفخ لإشعال النّار القوية على الحديد لصهره ولتصفيته من المعادن الزائفة، فيكون بعد صهره معدناً نقياً خالصاً وكذلك من يحج أويعتمر، فإن كان بنية خالصة بعمل متقين والتزام وإخلاص فإنهما يصفّيانه ويسقطان عنه الخطايا والذّنوب والسيئات، ومن ذهاب الفقر المعنوي أيضاً تهذيب النفس وإعادة ترميمها وتبديل المثالب والسيئ من العمل والعيوب، بكريم الأخلاق والشيم، فتطهر نفسه من خبثها كما يذهب (خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ)، وبهذا يتبدل عند الحاج الخلق الذميم بالخلق الكريم، ولهذا تضمن الحديث جملة في أصلها بشارة، وهي أجمل البشارات التي يتمنّاها كل مؤمن من ربه ألا وهي قوله (وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ)، ومعنى(المبرور) مأخوذ من البر: أي الحج النقي الذي لا يخالطه إثم ولا رفث ولا فسوق، فهو ممزوج بالطاعة، تظهر عليه علامات القبول، ومنها أن يرجع الحاج خيِّراً مثالياً أفضل مما كان قبل الحج، ومن علامات القبول أيضاً أنه يعزم على أن لا يعود إلى المعاصي السابقة عن حجه، ومن هنا يكون الحاج من المتقين، وتقوى الله تبارك وتعالى من خير الأسباب وأفضلها لجلب الرّزق وزيادته، وعلى العموم فالحاج أو غيره الذي يتقي الله يرزقه رزقاً واسعاً ظاهرياً محسوساً بالزيادة الفعلية لماله، أو يرزقه مثله رزقاً خفياً كالصحة والعافية في نفسه وزوجه وولده ومن يحب، والسلامة من كل هم وكرب وغم ، والبركة في العمر والمال والولد وغيرها، نسأل الله أن يجعلنا منهم.

محمود عدلي الشريف

[email protected]