استقبلتْ سلطنة عُمان يوم الاثنين الـ(27) من مايو رئيس جمهوريَّة إيران الإسلاميَّة مسعود بزشكيان وذلك بدعوة كريمة من جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ. ورغم أنَّ الزِّيارة مُخطَّطة سلفًا لتطويرِ العلاقات الثنائيَّة بَيْنَ البلدَيْنِ والتَّباحث حَوْلَ الجوانب الاقتصاديَّة والقضايا السِّياسيَّة، وخصوصًا العدوان الصهيوني على قِطاع غزَّة، إلَّا أنَّ الزِّيارة جاءتْ في توقيتٍ مُهمٍّ بعد الجولة الخامسة من جولات المحادثات النوويَّة بَيْنَ إيران والولايات المُتَّحدة برعاية سلطنة عُمان. وكما هو معلوم أنَّ الجولة الخامسة جرتْ في مقرِّ إقامة السَّفير العُماني في روما واستُبقتْ بشيء من التَّعقيد ورفع سقف الخِطاب السِّياسي الأميركي قابله المسؤولون في طهران بإعلان مواقف ثابتة فيما يتعلق بعدم المساس بحقوق إيران في مجال تخصيب اليورانيوم؛ باعتباره مشروعًا وإنجازًا وطنيًّا قدَّمت إيران تضحيات في سبيله، مؤكِّدةً أنَّ التَّخصيب لأغراض سلميَّة ولا يُمكِن التَّخلِّي عَنْه. خلال الزِّيارة عَبَّرَتْ وكالة الأنباء العُمانيَّة بالآتي: «جلالةُ السُّلطان المُعظَّم ـ حفظهُ اللهُ ورعاهُ ـ وفخامةُ الدّكتور رئيس الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة يشهدان التّوقيع على (5) اتفاقيَّات تعاون و(10) مذكّرات تفاهم و(3) برامج تنفيذيَّة، وذلك بقَصْرِ العَلَم العامر، في إطار الزِّيارة الرَّسميَّة الَّتي يَقُوم بها فخامة الرَّئيس الإيراني للبلاد» كما وردَ من «العُمانيَّة». وكما هو معروف أنَّ العلاقات العُمانيَّة ـ الإيرانيَّة تُعَدُّ علاقات استثنائيَّة ونموذجيَّة وتاريخيَّة ولها مواقف مشهودة بَيْنَ البلدَيْنِ منذُ انتصار الثَّورة الإسلاميَّة وحتَّى اليوم بعد مرور (46) عامًا على قيام الجمهوريَّة الإسلاميَّة، ولسنا هنا بصدد تعداد تلك المواقف المشهودة.. فهي معروفة لدَى المتابعِين، ولذلك فإنَّ الزِّيارة حَظِيَتْ باهتمام بالغ لدَى الأوساط السِّياسيَّة والإعلاميَّة والرَّأي العام في إيران، وتأكيدًا لذلك عَبَّرَتْ وكالة الجمهوريَّة الإسلاميَّة للأنباء (إيرنا): «يتوجَّه بزشكيان إلى سلطنة عُمان لِيعربَ عن امتنان وتقدير الشَّعب الإيراني للدَّوْر الخيري والملتزم والبنَّاء الَّذي أدَّته الحكومة العُمانيَّة في استضافة المفاوضات الإيرانيَّة ـ الأميركيَّة غير المباشرة، كما أكَّد الرَّئيس في لقاء أجراه مؤخرًا مع وزير خارجيَّة عُمان، أنَّ هذه الزِّيارة ستكُونُ نقطة تحوُّل في تعميق العلاقات الشَّاملة بَيْنَ البلدَيْنِ، وأنَّ آثارها وإنجازاتها ستجلب فوائد ملموسة للشَّعبَيْنِ. وأكَّد الرَّئيس بزشكيان كذلك على استعداد الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة لتوسيع التَّبادلات والتَّعاون في جميع المجالات التِّجاريَّة والسِّياسيَّة والاقتصاديَّة والعلميَّة والتكنولوجيَّة مع الدوَل الإسلاميَّة، وخصوصًا سلطنة عُمان الصَّديقة والشَّقيقة، وأعرب عن أمله في التَّعاون والتَّآزر الأكبر بَيْنَ دوَل المنطقة». لا شكَّ أنَّ الزِّيارة في هذا التَّوقيت تحمل أهميَّة واسعة؛ باعتبار أنَّ سلطنة عُمان تؤدِّي دَوْرًا كبيرًا في إطار المحادثات النوويَّة الَّتي تستضيفها، ورغم التَّعقيدات الَّتي بدتْ في الجولة الأخيرة، إلَّا أنَّ هناك شيئًا من التَّفاؤل بالإشارة إلى ما ذكَره معالي السَّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجيَّة: «أنَّ الجولة الخامسة من المحادثات بَيْنَ إيران والولايات المُتَّحدة في روما انتهتْ ببعض التَّقدُّم، وإن لم يكُنْ حاسمًا». «كما أعرَبَ عن أملِه في أن نتمكنَ خلال الأيَّام المقبلة من توضيح القضايا المتبقِّية حتَّى نتمكَّنَ من المُضي قُدُمًا نَحْوَ الهدف المشترك المتمثل في التَّوَصُّل إلى اتِّفاق مستدام ومُشرِّف». وعلَّق الرَّئيس الأميركي دونالد ترامب الَّذي وصفَ المباحثات بعد الجولة الخامسة بأنَّها «جيِّدة». إلى ذلك وصفَ وزير الخارجيَّة الإيراني عباس عراقجي المحادثات غير المباشرة مع الولايات المُتَّحدة في جولتها الخامسة في روما بأنَّها كانتْ «واحدة من أكثر الجولات التَّفاوضيَّة مهنيَّة وتعقيدًا»، لافتًا إلى أنَّ «الجانب الأميركي باتَ لدَيْه قناعة بمواقف إيران «. زيارة الرَّئيس مسعود بزشكيان إذن تأتي تتويجًا للعلاقات الثنائيَّة المتميزة بَيْنَ سلطنة عُمان وجمهوريَّة إيران الإسلاميَّة، وهناك تبادل تجاري بَيْنَ البلدَيْنِ يقترب من الملياريْنِ ونِصف المليار وهو يتنامى بشكلٍ متصاعد ولله الحمد. وهنا ينبغي التَّنويه إلى أهميَّة البُعد الاقتصادي للعلاقات بَيْنَ البلدَيْنِ والاستفادة من معطيات التَّاريخ والجغرافيا والجوار والعلاقات السِّياسيَّة الاستثنائيَّة بَيْنَ مسقط وطهران، ونسأل الله أن يوفِّقَ البلدَيْنِ وقيادتَيْهما لتحقيقِ ما يصبو إِلَيْه الشَّعبانِ الشَّقيقانِ والله وليُّ التَّوفيق والسَّداد.
خميس بن عبيد القطيطي