يلوح في الأفق السيناريو الأسوأ للوضع في غزَّة، إذ من المتوقع أن يطلق الكيان العنصري المحتل، عمليَّة عسكريَّة واسعة تُدعى «التهجير الكامل»، وتُعلن أنَّ حماس لم تَعُد جهة شرعيَّة في القِطاع، ويقوم جيش الكيان المحتل بفتح ممر بري عَبْرَ معَبْرَ رفح، ويدفع عشرات الآلاف من المَدَنيِّين الفلسطينيِّين بالقوَّة نَحْوَ سيناء، عَبْرَ قصف كثيف للأحياء السكنيَّة، وتدمير كامل للبنية الأساسيَّة، مع منع عودتهم، فماذا سيكُونُ سَير الأحداث؟ هل سيذهب إلى المواجهة الشاملة الَّتي قد تحدد شكل الشَّرق الأوسط في المرحلة القادمة؟ وبطبيعة الحال يدَوْر في الأذهان سؤال أكثر خطورة وهو: ماذا سيحدث من تداعيات خطيرة على المستوى القانوني الدولي الَّذي يَعدُّ التهجير القسري محظورًا بموجب اتفاقيَّات جنيف، ويُعدُّ جريمة حرب وفقًا للقانون الدولي؟ أم سيستمر القصف وقتل المَدَنيِّين من أجْلِ القتل للقتل والبقاء في السُّلطة للحكومة العنصريَّة المتطرفة ورئيسها مُجرِم الحرب؟ وفي حال السيناريو الأول، يُمكِن أن تُرفع قضايا ضدَّ قادة الكيان العنصري المحتل في المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، مع إدانة واسعة من كافَّة دوَل العالَم، خصوصًا الَّتي شهدت الفترة الأخيرة العديد من المظاهرات مثل شعوب دوَل الاتِّحاد الأوروبي، تزامنًا مع إصدار إدانات رسميَّة تطالب بفرض عقوبات تؤدي إلى عزلِ الكيان المُجرِم المحتل؛ لِمَا يرتكبه ضدَّ أهالي غزَّة من تطهير عِرقي وحرب إبادة كاملة الأركان، كما أنَّ تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيِّين سيشكِّل أزمة ضخمة على حدود الدوَل المجاورة، وهي مصر والأردن اللَّتان سترفضان هذا التَّهجير بشدَّة وقد تتصاعد التوترات الدبلوماسيَّة مع تصاعد المقاومة المسلَّحة، وانتفاضات داخل الأراضي المحتلَّة والضفَّة الغربيَّة وحتَّى في مناطق فلسطينيي الداخل، بالإضافة إلى احتماليَّة فرض عقوبات اقتصاديَّة أو عسكريَّة مثلما فعلته إسبانيا، أيرلندا، جنوب إفريقيا، ومن المتوقع أن يكُونَ هناك حدَث أكبر بقطع مصر علاقتها مع الكيان العنصري المحتل، وتعليق اتفاقيَّة السَّلام مؤقتًا أو كُليًّا إذا أقدمَ هذا الكيان على تهجير الفلسطينيِّين قسرًا إلى سيناء، وتجاوز كُلَّ الخطوط الحمراء التَّاريخيَّة والسِّياسيَّة، إذ يُعَدُّ انتهاكًا مباشرًا للسيادة المصريَّة الَّتي تَعدُّ الأمْر خطرًا وجوديًّا، وحافظتْ خلال تصاعد الأحداث منذُ طوفان الأقصى على «حد أدنى» من العلاقة من أجْلِ وقف الحرب وإدخال المساعدات أو عقْد اتِّفاق ينهي المجازر الَّتي يتعرض لها أهالي غزَّة، ومن العوامل الَّتي ترجح قطع العلاقات في حال التَّهجير الغضب الشَّعبي الهائل المصري والعربي والَّذي سينتج عنه موقف عربي موحَّد دعمًا لمصر، ممَّا يجعل قطع العلاقات أو تجميدها مؤقتًا احتمالًا قويًّا وواقعيًّا؛ لأنَّه تهديد مباشر للأمن القومي وسيضع القيادة السِّياسيَّة أمام ضغط داخلي وخارجي كبير لاتِّخاذ موقف واضح وحازم، رُبَّما تجد مصر نفسها مجبرة على ردٍّ صارم لحماية سيادتها وأمْنِها القومي، مع دخول منطقة الشَّرق الأوسط والأُمَّة العربيَّة بالتَّحديد في أزمة غير مسبوقة، مع احتمال تصعيد عسكري من عدَّة أطراف، خصوصًا إذا كان الردُّ المصري حاسمًا سياسيًّا، ودبلوماسيًّا، وأمنيًّا، وحتَّى دوليًّا، وقد يصل إلى تجميد اتفاقيَّة كامب ديفيد، وهذا السيناريو سيكُونُ تحوُّلًا جذريًّا في شكل الصِّراع العربي «الإسرائيلي» لم نشاهده منذُ عقود، وتحديدًا منذُ السَّادس من أكتوبر العام 1973، وستتوارى بعض القيادات الَّتي تهرول إلى التَّطبيع، محاولة إظهار دعمها إلى أهالي غزَّة ومساندة الموقف المصري في حال تطورتِ الأحداث لأبعد من قطع العلاقات وتجميد اتفاقية كامب ديفيد، تتوقف هذه الأحداث وتطورها على السيناريو الإرهابي الَّذي يرسم خطوطه مُجرِم الحرب الـ(نتنياهو) وحكومته المتطرفة.
جودة مرسي
من أسرة تحرير «الوطن»