•وفَّرَ جي دي فانس نائب الرَّئيس الأميركي فرصةً معلوماتيَّة مُهمَّة عن السِّياسة الخارجيَّة الأميركيَّة للمُتابعِين الآن لهذه السِّياسة، وبالتَّحديد من زاوية تأكيده، أنَّ واشنطن تتمتع في الوقت الحاضر (باستراحة من السِّياسات الأميركيَّة السَّابقة)، وإذا كان فانس قد استخدم (اللكمة العسكريَّة القاضية) ثمَّ اللُّجوء إلى التَّعاطي وفقَ الدَّفع المصالحي المتبادل فإنَّ الحقيقة الَّتي لم يُشرْ إِلَيْها نائب الرَّئيس الأميركي هي أنَّ هذا المتغيِّر لم يكُنْ ترفُّعًا من الأميركيِّين، بل لأنَّ واشنطن لم تجنِ من سياساتها السَّابقة سوى قائمة طويلة من الخسائر البَشَريَّة في صفوف الأميركيِّين وخسائر مواقع جيوسياسيَّة ظلَّت لفترةٍ طويلة تحت تصرُّفها. •لقدِ انتعشتِ الآمال الأميركيَّة في الهيمنة المُطْلقة على الإرادة الدوليَّة بعد تفكُّك الاتِّحاد السوفيتي ولكن جرتِ الرِّياح بما لا تشتهي السُّفن الأميركيَّة. •القائمة تطول في جرد ما تعرضتْ له السِّياسة الأميركيَّة إثر المغادرة السوفيتيَّة ولكن يكفي الإشارة إلى بعض المنصَّات الَّتي كسرتْ ولو جزئيًّا النُّفوذ الأميركي. •استعادة روسيا دَوْرها الجيوسياسي في مواقع شرق متوسطيَّة وإفريقيَّة وأميركيَّة جنوبيَّة. •سرعة تمدُّد القوَّة الصِّينيَّة الاقتصاديَّة النَّاعمة مستخدمةً المزيد من جسور العلاقات الاستثماريَّة والتِّجاريَّة. •التَّحالف الاستراتيجي بَيْنَ موسكو وبكين. •الظُّهور المبرمج المتسارع لكتلة البريكس واستطاعتها خرق هيمنة الدولار الأميركي. •زيادة متنفّسات كتلة اليورو الأوروبي. •التداعيات البيئيَّة العالَميَّة الَّتي أجبرت العديد من الدوَل إلى الأخذ بالتَّحذير الَّذي أطلقته الأُمم المُتَّحدة بشأن المخاطر الجسيمة الَّتي تهدِّد البيئة ومخاطر التغيُّرات المناخيَّة المتمثلة بالارتفاعات المتواصلة لدرجات الحرارة في الحزام المناخي للكرة الأرضيَّة. •إنَّ كُلَّ ذلك ضرب جميع دوَل العالَم وليس فقط بعض الدوَل، لكنَّه من جانب التأثير المباشر أوجد أولويَّات لدى أغلب دوَل العالَم لا تستطيع التَّعامل معها، إلَّا في منأى من النُّفوذ الأميركي، ولك أن تراجعَ اتفاقيَّة باريس للمناخ. •إنَّ التحوُّل السِّياسي الأميركي الجديد الَّذي أشَّره فانس لم يأتِ رأفةً من واشنطن وإنَّما فُرض عنوةً على صاحب القرار الأميركي بالنُّسخة الترامبيَّة. •بمعنى مضاف، ما تغيَّر في التَّعاطي السِّياسي الأميركي الخارجي يندرج تحت بند (مُكْره أخاك لا بطل) فلم يَعُدْ مُجديًا لدَى واشنطن تصفية حساباتها بإطلاق النَّار على جميع من يعارض نفوذها العالَمي، وإذا كان التَّساؤل الأميركي يقول (لقدِ انتهتِ الحفلة الآن، فلماذا تأخَّر عمَّال التَّنظيف)، يصير اللُّجوء إلى التَّراجع خيارًا لا بُدُّ مِنْه. •لقدْ أصابتِ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة العديد من المازق وهناك مَن يريد للسِّياسة الأميركيَّة الإعياء، كما أنَّ كلفة الرَّفاه الَّذي ينشدها الأميركيون تخطَّتِ الخطوط الحمراء، والدَّيْن العامّ على الحكومة الفدراليَّة في واشنطن خرج عن السَّيطرة. •إنَّ كُلَّ هذه الأسباب باتتْ بيئة حاضنة لمُشْكلة أميركيَّة داخليَّة معقَّدة تُمثِّل ضغطًا واضحًا على السِّياسة الخارجيَّة الأميركيَّة. •باختصار، لم تَعُدِ الموائد الأميركيَّة زاخرةً بالأطباق الشَّهيَّة ولهذا إنَّ زعم اللكمة الَّتي نوَّه بها فانس هي للتَّغطية على عجز لوجستي وشيخوخة تلاحق الأميركيِّين. •لقدْ قلتُ ذلك في تحليل لي بعد الغزو الأميركي لبلادي، الولايات المُتَّحدة لم تَعٌد صانعة أحداث، وإن صنعَتْها فليس بمقدورها تثبيت ما صنعته. •بالمؤكَّد الواقعي، الأميركيون لا بديل لهم إلَّا أن يجلسوا مع خصومهم لتصريف معادلة (هذا لي وهذا لك). •لقدْ كان (الهمبرجر) الأميركي يتجول بحُريَّة في المعدة الدوليَّة غير أنَّه الآن في مزاحمة قاسية مع (الرز المقلي) الوجبة الصِّينيَّة الأشهر.
عادل سعد
كاتب عراقي