التأكيد على ضرورة استجابة القطاع لتجديد أدواته وتعزيز جاهزيته للمستقبل
بديارات: القمة بمثابة منصة لتبادل الأفكار حول ملامح مستقبل القطاع المالي في سلطنة عُمان
سوالمة: لم يعد التحول الرقمي ترفًا مؤسسيًّا بل ضرورة لتعزيز كفاءة الأنظمة المصرفية
لاريونوف: القطاعات المالية اليوم أمام فرصة ذهبية لإعادة هندسة بنيتها الرقمية
مسقط ـ الوطن :
اختُتمتْ، يوم الثلاثاء 27 مايو 2025، أعمال «قمة البنوك والتكنولوجيا 2025»، والتي نظَّمتها «ذا أريبيان ستورز» (TAS)، وسط حضور نوعي ضم ممثلين عن الجهات المصرفية والتنظيمية والتقنية والأمنية من داخل وخارج السلطنة؛ حيث شكَّلت القمة مساحة فكرية عميقة لنقاش التحديات المستقبلية التي تُواجه القطاع المالي في ظل الطفرة الرقمية المتسارعة.
وقال نيشاد بديارات مؤسس “ذا أربيان ستورز» رئيس اللجنة المنظمة للقمة، خلال الكلمة الافتتاحية: تأتي قمة البنوك والتكنولوجيا 2025 في لحظة مفصلية من تاريخ التحوُّل الرقمي في المنطقة؛ حيث باتت البنوك والمؤسسات المالية أمام تحدٍّ مزدوج: التكيُّف السريع مع الابتكارات التقنية المتسارعة، وضمان الاستدامة والسيادة الرقمية في آنٍ واحد. مضيفًا: حرصنا في “ذا أربيان ستورز” على أن تكون أعمال هذه القمة بمثابة منصةً فاعلة تجمع تحت مظلتها صنّاع القرار، وروّاد التكنولوجيا، وخبراء الأمن السيبراني، لتبادل الرؤى، وتشكيل ملامح المستقبل المالي لعُمان والمنطقة.
وتابع بديارات خلال كلمته مؤكدًا أنَّ “انعقاد القمة في هذا التوقيت قبيل انطلاقة النصف الثاني من 2025، ليس وليد الصدفة، بل هو استجابة واعية لحاجة القطاع المصرفي إلى تجديد أدواته، وتعزيز جاهزيته للمتغيرات القادمة، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية عُمان 2040 في بناء اقتصاد معرفي، مرن، وآمن تقنيًّا”.
الكلمة الرئيسية
بعد ذلك، قدَّم الدكتور محمد فخري سوالمة المدير الأول للاستثمار الوقفي في بنك نزوى، الكلمة الرئيسية للقمة؛ مُستعرضًا فيها الرؤى الإستراتيجية حول التحول الرقمي والاستثمار الوقفي المستدام.. وقال سوالمة: إنَّ التحول الرقمي لم يعد خيارًا مؤجَّلًا أو ترفًا مؤسسيًّا، بل ضرورة وجودية لتحديث البنى الاقتصادية، وتعزيز كفاءة الأنظمة المصرفية، بما يكفل لها البقاء والازدهار في عالمٍ بالغِ التغير. وتابع موضحًا: لقد بات من المُلحِّ إعادة تشكيل أدواتنا الوقفية بما يُواكب العصر الرقمي، دون المساس بجوهر المقاصد الشرعية؛ وذلك عبر تبني نماذج استثمارية ذكية، مستندة إلى معايير الحوكمة، ومرتكزة على التقنية والابتكار، ومؤطَّرة برؤية واضحة للتنمية المستدامة. وإنّ من شأن هذه الرؤية المتجددة أن تفتح آفاقًا جديدة للتمكين الاقتصادي والاجتماعي، في بيئة مصرفية آمنة، مرنة، ومتصلة بالإنسان واحتياجاته.
وانطلقت أولى جلسات القمة بكلمة لفيكتور لاريونوف الشريك الإداري الأول في مجموعة (Introduct)، وهو من أبرز الخبراء العالميين في مجالات التحول الرقمي وتطوير البرمجيات، حيث قاد مشاريع تقنية أحدثت تحولات جوهرية في قطاعات مصرفية وتجارية متعددة؛ قال فيها: لقد دخلنا عصرًا لم تعُد فيه التكنولوجيا مجرد أداة تشغيل، بل أصبحت العمود الفقري للرؤية الإستراتيجية في المؤسسات المصرفية. وما تطرحه قمة البنوك والتكنولوجيا 2025 من محاور يُعزّز قناعتي بأن القطاع المالي الذي لا يُعيد هندسة بنيته الرقمية اليوم، سيتحول غدًا إلى هامش المنظومة الاقتصادية. وأضاف لاريونوف: إن المستقبل المصرفي يُصنع الآن عبر قرارات جريئة، واستثمارات ذكية في الذكاء الاصطناعي، والسحابة، والحماية السيبرانية. ومن موقعنا كشركة قادت تحولات في أسواق عالمية، نؤمن بأن التحول الرقمي ليس رحلة تقنية فقط، بل تغييرٌ جذري في نمط التفكير، والثقافة المؤسسية، وتجربة العميل.
التحول الرقمي
وتحت عنوان «الاستدامة والمصارف»، انطلقت وقائع الجلسة الثانية من القمة، والتي أدارها بول جورج، بمشاركة نخبة من المتخصصين من ممثلي القطاع المصرفي في سلطنة عُمان؛ هم: عمار عسكري رئيس قسم تجربة الزبائن في بنك ظفار، وسلمان كباني رئيس إدارة المخاطر المؤسسية في بنك نزوى، وحمزة اللواتي الرئيس التنفيذي لشركة «وديعة»، إلى جانب ممثل عن بنك عُمان العربي. وناقشت الجلسة جملة إشكاليات عميقة التي تواجه البنوك في ظل تحوُّل بيئتها الرقمية بوتيرة متسارعة؛ وسُبل دمج مبادئ الاستدامة في صلب العمليات المصرفية، واستكشاف آفاق التمويل الأخضر، وأدوات الاستثمار المستدام، وآليات التكيّف مع المتطلبات البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) في ظل تغيرات الأسواق العالمية.
كما بحثت الجلسة دور التحول الرقمي في دفع عجلة الابتكار المستدام، وإعادة تشكيل العلاقة مع العملاء وفق مفاهيم الشفافية، والتمكين المالي، والشمول الاقتصادي. ويتناول المشاركون أيضًا التحديات التي تواجه البنوك في التوفيق بين أهداف الربحية ومتطلبات المسؤولية المجتمعية، إلى جانب استعراض ممارسات رائدة من القطاع المصرفي العُماني، تُجسِّد الانتقال نحو منظومات مصرفية أكثر وعيًا واستدامةً، ضمن التوجُّهات الاستراتيجية لرؤية “عُمان 2040”.
المخاطر السيبرانية
الجلسة الثالثة والختامية من القمة، كانت بمثابة مرآة عاكسة للتحولات العميقة في مشهد الأمن السيبراني المصرفي؛ وأدارها جيفر المعمري رئيس الأمن السيبراني في شركة فودافون عُمان، بمشاركة نخبة من خبراء الأمن الرقمي؛ هم: المقدم محمد الخروصي مدير الخدمات الرقمية بشرطة عمان السلطانية، الدكتور ناصر العزواني رئيس قسم تقنية المعلومات في بنك العز الإسلامي، وسعيد المصلحي رئيس أمن المعلومات في شركة أوريدو عُمان، وفيصل التوبي المحاضر في أكاديمية الأمن الإلكتروني المتقدم، ووائل الكلباني مهندس المعايير الفنية بهيئة تنظيم الاتصالات.
وناقشت الجلسة إعادة تعريف المخاطر السيبرانية في ظل تسارع التحول الرقمي وتنامي الترابط بين الأنظمة الرقمية وما إذا كانت النماذج التقليدية لإدارة المخاطر لا تزال صالحة لمواجهة التهديدات الحديثة كما ناقشت الجلسة التحول من الامتثال الشكلي إلى بناء مناعة سيبرانية مؤسسية تسهم في رفع جاهزية القطاع المصرفي لمواجهة الهجمات والاستجابة السريعة لها.
وتطرقت النقاشات إلى العلاقة بين الحوسبة السحابية والسيادة الرقمية وأهمية إيجاد توازن يحفظ أمن البيانات دون التفريط في التحكم المؤسسي كما ناقش المتحدثون سبل حماية الابتكار في بيئة الفنتك والخدمات المصرفية المفتوحة دون التضييق على مساحات التطوير التقني بالإضافة إلى أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية كوسائل استباقية للتصدي للهجمات المحتملة، كما تناولت الحاجة إلى تطوير إطار تشريعي وتنظيمي متكامل للأمن السيبراني في القطاع المالي مع الدعوة إلى صياغة ميثاق وطني موحد يعزز من التنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة. وتم التطرق كذلك خلال الجلسة إلى تحديات الاستجابة لحالات الطوارئ الرقمية وضرورة وجود أنظمة تعافي فعالة ومُختبرة بشكل دوري إلى جانب أهمية تعزيز الثقة الرقمية لدى العملاء وتحويل الأمن السيبراني إلى ركيزة تسويقية واستراتيجية تعزز من ولاء الزبائن وتقلل من المخاطر.
وأكدت الجلسة على أهمية العنصر البشري بوصفه الحلقة الأهم في بناء ثقافة مؤسسية واعية سيبرانيًا والدعوة إلى برامج تدريب نوعية مستمرة تسهم في سد الفجوة بين الأدوات التقنية والوعي البشري إلى جانب طرح فكرة تأسيس غرفة عمليات وطنية موحدة تُعنى بالأمن السيبراني المالي وتُسهم في تعزيز التكامل بين شرطة عمان السلطانية والبنوك والجهات التنظيمية وشركات الاتصالات.
وانطلقت قمة البنوك والتكنولوجيا 2025 بدعم من عدد من المؤسسات الرائدة؛ حيث قدَّم بنك نزوى وبنك عُمان العربي رعايتهما الذهبية للحدث؛ تأكيدًا على التزامهما بدعم منظومة التحول الرقمي وتعزيز الابتكار المالي في السلطنة، إضافة لرعاية “كريدت عُمان”. وفي إطار دعم الحلول التنقلية المتقدمة، شاركت “شانجان” كراعي السيارات الرسمي، بينما قدّمت “أكاديمية الأمن الإلكتروني المتقدم” دورًا محوريًّا بصفتها شريك المعرفة؛ من خلال ما تملكه من خبرات تخصصية ومبادرات تدريبية تدعم أمن الفضاء الرقمي المصرفي، أما “وديعة” فشاركت بصفتها شريك الفنتك، مؤكدة مكانتها كأحد رواد الحلول التقنية المالية في المنطقة. وتعزيزًا للحضور الإعلامي المتخصص، انضمت منصتا “صوت” و”بيزنس بلس” كشريكين إعلاميين، مُسهمتين في نقل وقائع القمة إلى جمهور واسع من المهتمين والفاعلين في القطاعين المالي والتقني.


