الخميس 29 مايو 2025 م - 2 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

في العمق: سارية العلم فـي ساحة الخوير وتساؤلات مطروحة

في العمق: سارية العلم فـي ساحة الخوير وتساؤلات مطروحة
الثلاثاء - 27 مايو 2025 06:29 م

د.رجب بن علي العويسي

70

مع استمرار جهود بلديَّة مسقط في تطوير المرافق العامَّة والَّتي اتَّسمت في السنوات الأخيرة بكونها أكثر استدامة وابتكاريَّة وتنوعًا وريادة ومراعاة جودة حياة السكَّان، والَّتي جسَّدتها جملة من المشروعات الترفيهيَّة والمتنفَّسات الترويحيَّة؛ ومِنْها افتتاح بلديَّة مسقط في الثاني والعشرين من مايو لعام 2025 لساحة الخوير، والاحتفال برفع عَلم سلطنة عُمان على أطول سارية علم بارتفاع (126) مترًا؛ وجملة الأبعاد الحضاريَّة والجماليَّة والذوقيَّة الَّتي رافقت هذا المشروع وانسجامه مع هُوِيَّة البيئة وخصوصيَّة المكان وطبيعة واحتياجات الزمان، حيثُ قدَّمت ساحة الخوير الجديدة نموذجًا نوعيًّا في الترويح المستدام وإعادة هندسة الفضاءات المفتوحة لتخطيط حضري وعمراني مبتكر؛ إلَّا أنَّ المتابع لساحة الخوير الجديدة تتبادر إِلَيْه الكثير من التساؤلات المطروحة الَّتي تضع الجهات المنفِّذة وبلديَّة مسقط أمام مسؤوليَّة لإجابة عن تلك التساؤلات؛ والَّتي بات طرحها اليوم أمرًا حتميًّا عِندَ الحديث عن منجز سياحي ترفيهي يرتاده آلاف البَشر يوميًّا، أو مَعلم حضاري يُراد مِنْه أن يكُونَ أيقونة التطوير القادم في قلب العاصمة مسقط. من هنا فإنَّ أوَّل ما يتبادر إلى الذِّهن لدى السائح عامَّة: المواطن والمقِيَم والزائر على حد سواء هو ما الدلالات الَّتي ترمز إِلَيْها الأرقام الَّتي تشكلت مِنْها أيقونة ساحة الخوير الجديدة وسارية العَلم العملاقة، والأرقام الَّتي تناولها تقرير بلديَّة مسقط حول ساحة الخوير؟ فمثلًا ما الدلالة التَّاريخيَّة والحضاريَّة الَّتي يرمز إِلَيْها طول سارية العَلم الَّذي بلغ (126) مترًا؟ ولماذا لم يكن أكثر أو أقل من هذا الرقم؟ وما هي الدلالة المعنويَّة الَّتي يحملها استخدام (141) طنًّا من الفولاذ، وعلاقة استخدامها هذه المعدن بنظم المحاكاة للقلاع والحصون التَّاريخيَّة الَّتي شيدت في مسقط أو غيرها؟ ولماذا تمَّ تحديد العَلم العُماني بأبعاد محددة (25 مترًا طولًا و44 مترًا عرضًا)؟ وهل لذلك علاقة بالمحافظة على استدامته من تعرضه لعوامل التَّعرية والرياح وحرارة الشمس. علمًا أنَّ طول العَلم وعرضه أوجد ثقلًا فيه وبطئًا في قدرة الرياح العاديَّة على تحريكه؟ وبالتَّالي استحضار الدلالة التَّاريخيَّة والحضاريَّة والثَّقافيَّة والوطنيَّة الَّتي ترمز إِلَيْها مكوِّنات سارية العَلم وتُعَبِّر عَنْها هذه الأرقام؛ وهو أمر على ما يبدو لم يكُنْ في حسبان المخططين لهذا المشروع، ويعكس غياب الصورة المستقبليَّة والفراسة في أثناء التخطيط لهذه السَّارية، والبُعد الاستشرافي لها مقارنةً بغيرها من السواري الشَّاهقة والَّتي تحمل أبعادًا تاريخيَّة ـ وعلى سبيل المثال ـ أن تمثِّلَ هذه السَّارية نموذجًا متفردًا لإبهار السواري الشامخة الَّتي كانتْ فيها الأساطيل العُمانيَّة ـ سيِّدة البحار ـ تجوب عباب البحار والمحيطات حَوْلَ العالم. وفي الشَّأن نفسه فإنَّ افتتاح ساحة الخوير الجديدة في الثاني والعشرين من مايو، هل له دلالة معينة أو يرتبط بمناسبة وطنيَّة؟ وكنت كغيري أتمنى أن يكُونَ تاريخ رفع سارية العَلم في ساحة الخوير متزامنًا مع احتفال سلطنة عُمان باليوم الوطني أو مناسبة وطنيَّة خالدة، كأن يكُونَ يوم الحادي عشر من يناير، اليوم الَّذي تولَّى فيه حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم مقاليد الحكم في البلاد لِيكُونَ رفع العَلم في ذلك اليوم مُعَبِّرًا عن ذكرى خالدة ستظلُّ محفورة في المكان والزمان تستلهم من هذا التَّاريخ مسيرة النهضة العُمانيَّة المتجددة، أو أن يكُونَ يوم العشرين من نوفمبر، يوم تأسيس الدَّولة البوسعيديَّة وهو اليوم الوطني لسلطنة عُمان لِتكُونَ هذه السَّارية رمزًا له دلالته وتعبيراته التَّاريخيَّة والحضاريَّة، الأمْر الَّذي سيعطي هذا المشروع فرصة تعبيريَّة وتاريخيَّة تحمل في أبجديَّاتها العزَّة والشموخ والهُوِيَّة والولاء والانتماء وحُب الوطن وجلالة السُّلطان، وعلى أقل تقدير إن لم تتدارك بلديَّة مسقط هذه المحطَّات التَّاريخيَّة بما تحمله من عزَّة وشموخ وانطلاقة نَحْوَ سماوات المجد والتَّنمية والنصر حاملةً معها راية النهضة المتجددة وهي ترفرف خفاقة شامخة في قلب العاصمة مسقط ولاء لهيثم المُجدِّد ووفاء لقابوس الباني؛ وكنت أرجو إن لم تتحقق تلك الأمنيات أن يكُونَ اختيار تاريخ الافتتاح يوم الخامس والعشرين من مايو (25- 5- 2025) ليبرر رفع سارية العَلم في يوم مميز واستثنائي. عَلَيْه، ومع ما يظهر من اهتمام بلديَّة مسقط بمنطقة الخوير كوجهة تنمويَّة قادمة في قلب محافظة مسقط، إلَّا أنَّ التساؤلات الَّتي ما زالت مطروحة وتشغل بالي كما تشغل تفكير غيري، هي: إن كان المشروع يهدف إلى إيجاد سارية بأعلى ارتفاع لها، تحمل عَلم سلطنة عُمان الشامخ فيُمكِن أن يكُونَ في مكان آخر أكثر ارتفاعًا مثل عقبة العامرات أو رمال بوشر أو مدينة العرفان وما جاورها لِيكُونَ أطول مما هو عَلَيْه الآن، كما أنه ليس شرطًا أن يرتبطَ وجود السَّارية بهذا المتنزه الترفيهي؛ نظرًا لِمَا يُمكِن أن يطرحَ من علامات استفهام قادمة حَوْلَه؛ ومع ذلك فإنَّ الجمع الحاصل بَيْنَ وجود السَّارية والمتنزه باتَ أكثر قَبولًا لي شخصيًّا وعَبْرَ تعظيم حضور الفرص الترويحيَّة والجماليَّة المعززة بوجود سارية العَلم وشموخه، قد أضاف للمكان فرادة استثنائيَّة، وأعطى العَلم والسَّارية فرصة أكبر لحضورها في عدسات المصورين والمرتادين لساحة الخوير، ونوعيَّة المشاهد الخياليَّة، واللقطات التصويريَّة الجميلة الَّتي يُمكِن التقاطها في ظلِّ الميزة التنافسيَّة الَّتي يحظى بها المكان والَّتي ستصبح شاهدة لشموخ العَلم بتداولها عَبْرَ منصَّات التَّواصُل الاجتماعي؛ ومع ذلك ندرك أنَّ موقع هذا المتنزه في قلب حي الوزارات والَّذي يضمُّ العديد من مؤسَّسات الدَّولة، ووجود الممشى بَيْنَ الوزارات قد لا يكُونُ مناسبًا في نظر البعض، لِمَا قد يلازم رواد الممشى والمتنزه والمسطحات الخضراء من عدم وجود انسجام في المنظر الَّذي اعتاده الموظفون المتجهون لأعمالهم بلباسهم الرَّسمي مع الصورة الَّتي يقدِّمها سلوك المترددين على المتنزه وهم بملابس رياضيَّة قد تكُونُ ساترة أحيانًا أو خارجة عن المألوف أحيانًا أخرى خصوصًا في ظلِّ التوقُّعات بتزايد عدد الوافدين المترددين على الممشى في تلك المنطقة، الأمْر الَّذي قد يثير بعض التحفظ ويطرح تساؤلات عميقة حَوْلَ السِّر في اختيار هذا المكان؛ وللقناعة بأنَّ المؤسَّسات الحكوميَّة لها حرمتها وخصوصيتها الأمنيَّة الَّتي تحفظها وتحافظ على وجودها بعيدة عن ما قد يحصل في الأماكن العامَّة من خروج عن المألوف من الممارسات أو عدم الاحتشام في اللبس أو غيرها؛ ثمَّ إنَّ وجود الممشى في هذه المنطقة المزدحمة أساسًا بموظفي المؤسَّسات الحكوميَّة والسفارات قد لا يُعَبِّر عن الصورة الأفضل أو الاختيار المُلهم للمكان؛ ذلك أنَّ الوصول إلى هذا المكان في وقت الصباح الباكر أمْر متعسر؛ نظرًا للازدحام المروري فيه، ولأنَّ المكان غير محاذٍ لأحياء سكنيَّة فيحتاج مستخدمه إلى وسيلة نقل للوصول إِلَيْه واستمتاعه بالمشي واستخدام الألعاب الرياضيَّة، لذلك قد يكُونُ غير مهيأ للاستجمام فيه في وقت الصباح؛ نظرًا لازدحام المكان لموظفي الوزارات والمراجعين، ناهيك عن الازدحام المروري اليومي الكثيف في شارع السُّلطان قابوس وصعوبة الدخول والخروج السَّلس إِلَيْه ومِنْه، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنَّ جود الممشى مكشوفًا للجميع قد لا يشجع الموظف المتقاعد من هذه الوزارات لممارسة الرياضة أو اصطحاب أسرته وأهلِه في وقت الدوام الرسمي؛ نظرًا للصورة الذهنيَّة الَّتي قد تنطبع في ذاكرته والخصوصيَّة الَّتي يريدها لنفسه بعيدًا عن الأنظار، ولعلَّ مشهد الإجازة الصيفيَّة والتوقعات بارتياد الأُسر من داخل محافظة مسقط وخارجها لهذا المَعلم الحضاري والترويحي وما يصاحب وجود الأُسر من صراخ الأطفال ولعبهم وحركتهم الدائبة لِما ينتج عَنْه من إزعاج بَيْنَما تعجُّ الوزارات بالمراجعين والموظفين. أخيرًا، قد يرى البعض أنَّ طرح هذه التساؤلات جاء في الوقت الضائع، وأنَّها لن تقدِّم جديدًا؛ لكونِ المتنزَّه ومرافقه قائم؛ وأنَّ القول الَّذي ينبغي أن تتفاعلَ معه الأقلام ويسجّله كتَّاب الأعمدة والمغردون؛ تعظيم الوعي الجمعي بثقافة احترام هذا المرفق السِّياحي وخصوصيَّة المكان الَّذي يحتضنه، ومع ذلك تؤكِّد اللطائف والهواجس الَّتي نقدِّمها وعلامات الاستفهام الَّتي نطرحها لبعض ما يَدُوْر في الذِّهن من تساؤلات، على أهميَّة تبنِّي سياسات وطنيَّة في ربط المشروعات التنمويَّة بأبعاد وملامح تاريخيَّة وحضاريَّة تعزِّز من الصورة المشرقة لها وتحافظ على بقائها في ذاكرة الأجيال القادمة، وتَضْمن الانتقال بهذه المشروعات إلى مرحلة متقدِّمة من الوعي الجمعي وتعظيم المواطنة وترسيخ الولاء والانتماء ورفع درجة الثقة المُجتمعيَّة في المنجز الوطني؛ لتبقَى ساحة الخوير نموذجًا جديدًا في إعادة توظيف الفضاءات المفتوحة واستثمارها لصالح الأجيال وجودة الحياة، وتوجيه الأنظار لمستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا للخوير وكُلّ شِبر في أرض عُمان الشامخة.

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]