في محيط إقليمي يموج بالصِّراعات والتَّجاذبات الجيوسياسيَّة، تبرز سلطنة عُمان كواحة دبلوماسيَّة تتَّسم بالهدوء والاتِّزان. فعلى مدى العقود الماضية، تبنَّتْ سلطنة عُمان سياسة خارجيَّة قائمة على الحياد الإيجابي، وعدم التدخُّل في شؤون الغير، والاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع جميع الأطراف، ما جعلها فاعلًا محوريًّا في تحقيق قدر من الاستقرار الإقليمي وسط منطقة مضطربة. يرتكز ذلك الاتِّزان والحياد البنَّاء على اعتماد سلطنة عُمان على سياسة «الدبلوماسيَّة الهادئة» الَّتي ترفض التكتُّلات والمحاور. فهي تحتفظ بعلاقات طيِّبة وراسخة مع كُلٍّ من إيران والمملكة العربيَّة السعوديَّة والولايات المُتَّحدة الأميركيَّة في آنٍ واحد، ما يمنحها قدرة فريدة على أداء دَوْر الوسيط الهادف لتحقيقِ السَّلام والاستقرار؛ إذ إنَّ هذه الحياديَّة تُعزِّز مصداقيَّة السَّلطنة وتؤهلها لأداء أدوار حسَّاسة في التَّفاوض وحلِّ الأزمات. ولذلك برزتْ سلطنة عُمان كوسيط رئيس وموثوق في ملفات إقليميَّة معقَّدة، أبرزها المفاوضات النوويَّة بَيْنَ إيران والولايات المُتَّحدة، حيثُ استضافتْ محادثات سريَّة أسْهَمت سابقًا في التوَصُّل إلى اتِّفاق 2015 الَّذي انسحبتْ مِنْه الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة لاحقًا، وذلك خلال الحقبة الرئاسيَّة الأُولى للرَّئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي الملف اليمني حافظتْ عُمان على قنوات تواصل مفتوحة مع جميع الأطراف، بما في ذلك «جماعة أنصار الله»، وأسْهمَت في تيسير محادثات وقف إطلاق النَّار بين الحوثيِّين والولايات المُتَّحدة الأميركيَّة. إنَّ هذا الدَّوْر الوسيط الرَّزين لم ينبعْ من طموحات توسعيَّة، بل من رؤية عُمانيَّة تؤمن بأنَّ الحوار هو السَّبيل الأنجع لحلِّ النِّزاعات بما سيُسهم في تحقيق التَّوازن الإقليمي. كما نجحتِ السَّلطنة في الحفاظ على سياسة خارجيَّة مستقلَّة عن الاستقطاب، خصوصًا خلال فترات التوتُّر بَيْنَ دوَل الخليج وإيران، أو أثناء الأزمة الخليجيَّة 2017-2021. كما أسْهمَت في تعزيز الاستقرار الإقليمي عَبْرَ دعمها لمبادرات التَّعاون الاقتصادي، مثل مشاريع وخطط الرَّبط البَري، وتطوير ميناء الدُّقم كمركز لوجستي محايد. وقد أسْهَم الاستقرار والاجتماعي الدَّاخلي الَّذي تنعم به سلطنة عُمان في تعزيز المصداقيَّة الخارجيَّة، وذلك جنبًا إلى جنبِ نهجها الإصلاحي التَّدريجي، ممَّا يُعزِّز من مكانتها كدَولة يُحتذى بها في المنطقة، حيثُ إنَّ هذا الاتِّساق بَيْنَ الدَّاخل والخارج يُضفي على سياساتها الخارجيَّة قوَّة ناعمة حقيقيَّة، وذلك في ظلِّ ما تُعاني مِنْه المنطقة من تحدِّيات تتمثل في تصاعد الاستقطاب الإقليمي والتحوُّلات الدّوليَّة المتسارعة. خلاصة القول إنَّ سلطنة عُمان وفق المراقبين تُمثِّل نموذجًا فريدًا في السِّياسة الخارجيَّة الخليجيَّة، حيثُ تجمع بَيْنَ الواقعيَّة السِّياسيَّة والنَّهج الإنساني، وذلك في زمن تغلب فيه لُغة السِّلاح، حيثُ تظلُّ سلطنة عُمان صوتًا للعقل، ومدرسة في فنِّ إدارة التَّوازنات فهي تُسهم بهدوء في صناعة الاستقرار في الشَّرق الأوسط... سائلين الله أن يديمَ على عُمان وأهلِها نعمة الأمن والسَّلام والحكمة والاستعداد للإسهام في دعم السَّلام والاستقرار بالمنطقة.
طارق أشقر
من أسرة تحرير «الوطن»