القدس المحتلة ـ «الوطن»:
في مخيم من مخيمات التهجير، حيث لا تغيب رائحة البارود ولا تتوقف صفارات الإنذار، كانت الطفلة يقين خضر حماد تبني عالمًا من الأمل بعدسة هاتفها. فتاة لم تكمل عامها الثالث عشر، لكنها تجاوزت بأحلامها حدود الخوف، وواجهت الموت اليومي بابتسامة كانت تشعّ في وجه كل من رآها. لم تكن يقين مجرد طفلة، كانت مشروع ذاكرة، صفحة يومية عن غزة ما بعد الأخبار، غزة الناس، غزة الأطفال الذين يصنعون من الرماد ألعابًا ومن الغبار ضوءًا. كانت توثق، تضحك، تبادر، وتخاطب جمهورها كما لو أنها تعلم أن شهادتها يوماً ما لن تكون من خلف الشاشة، بل فيها. في مساء الجمعة، سُجّلت آخر لحظات يقين. لم تكن هذه المرة تبثُّ حياة، بل كانت تُودِّعها. غارة إسرائيلية أصابت مكان تواجدها، فصمتت الكاميرا، الهاتف الذي كان شاهدًا على أحلامها الصغيرة، بات شاهد قبر، أما صورتها، فانتشرت على المنصات الرقمية مثل نشيد وداع موجع، تعزف نغماته في كل بيت فلسطيني. كانت حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي نافذة لحياة محاصرة، ترسم فيها الأمل رغم الظلام. فيديوهاتها عفوية، تتضمن لقطات وهي تلهو مع أصدقائها، تنادي لجمع التبرعات للأيتام، تشارك في فعاليات بسيطة من داخل الخيام، توزع الضحكة رغم انعدام الأمان. في واحدة من مقاطعها الأخيرة، قالت: “أنا بحاول أفرّح الأطفال، يمكن ننسى الحرب شوي”. لكن الحرب لم تنسَها، ولم تنسَ جيلها.