الرَّئيس الأميركي بعد عودته للحكم، ألغَى المِنح والمعونات التَّعليميَّة، للطلاب على مستوى العالَم، وكان تبريره أنَّ الطلاب يتعلمون على حساب أميركا، ويخرجون يهاجمونها ويضرّون بمصالحها، وضرب مثالًا بالمظاهرات الَّتي عمَّتِ الجامعات الأميركيَّة تنديدًا بالعدوان «الإسرائيلي» على غزَّة، والَّتي اتَّهم المشاركين فيها بتحالفهم مع الإرهاب، ولكن السَّبب الحقيقي أنَّ الرَّئيس اليميني، لا يؤمن بالإنفاق على التَّعليم ويرى أنَّ الإنفاق عَلَيْه إهدار للمال العام، حتَّى أنَّه قرَّر إلغاء وزارة التَّعليم، تنفيذًا لوعدِه الانتخابي، وقال كيف أنفق (3) تريليونات دولار على التَّعليم، و(40%) من طلاب الصَّف الرَّابع لا يُجيدُونَ القراءة والكِتابة. وهناك معركة محتدمة بَيْنَه والجامعات الأميركيَّة، خصوصًا جامعة هارفارد، الَّتي لجأتْ للقضاء في مواجهة قراره، بمنع تسجيل الطلاب الأجانب، وقالت وزارة الأمن الدَّاخلي الأميركيَّة إنَّه لم يَعُدْ بإمكان هارفارد قَبول طلاب دوليِّين، ويَجِبُ على الطلاب الحاليِّين الانتقال إلى جامعة أخرى أو فقدان الإقامة القانونيَّة. هذا القرار يؤثِّر على ثُلث طلاب هارفارد، ويهدِّد مستقبل القدرات الأكاديميَّة للجامعة، ويهدِّد الاستقلاليَّة الأيديولوجيَّة، وصف رئيس هارفارد القرار غير المبرَّر بأنَّه غير قانوني، ويعرض مستقبل آلاف الطلاب والباحثين الَّذين قدموا إلى أميركا لمتابعة تعليمهم وأبحاثهم لخطر الترحيل، وقرَّر مقاضاة الحكومة بسبب تقليص مليارات الدولارات من المخصَّصات الفيدراليَّة للجامعة. وجامعة هارفارد، أسَّسها القس جون هارفارد في العام 1636م وتبرَّع لها بنصف ثروته ومكتبته العلميَّة، جامعة أهليَّة غير هادفة للربح، ميزانيَّتها تقدَّر بـ(47) مليار دولار، وتمتلك وقفًا يدرُّ عَلَيْها (36.4) مليار دولار، ويُديرها مجلس أمناء يَقُوم أعضاؤه بالتبرُّع سنويًّا لصالحِ الجامعة، كما يتمُّ استثمار المصروفات الَّتي يدفعها الطَّلبة القادرون، في توفير منح للطَّلبة المتفوِّقين غير القادرين، كما تصرف الأرباح على الأبحاث والتجارب العلميَّة، الَّتي تفوقتْ فيها هارفارد في مجالات الاقتصاد والطِّب والعلوم الإنسانيَّة، ويدرس بها الآن (22) ألف طالب، يدرس لهم (12) ألف أكاديمي. خرَّجتْ هارفارد (118) مليارديرًا، أشهرهم بيل جيتس مالك «مايكروسوفت» ومارك زوكربيرج مؤسِّس «فيس بوك»، و(32) رئيس دَولة، أبرزهم الرؤساء الأميركيون جون آدامز وفرانكلين روزفلت وجون كينيدي وباراك أوباما، حيثُ احتلَّتْ قمَّة التَّعليم الجامعي على مستوى العالَم. بَيْنَما في مصر أصبح التَّعليم الخاصُّ المدرسي والجامعي عبئا ثقيلًا على الأُسرة، وأداة للتربُّح وجني الثَّروات، حيثُ انشغل الرَّأي العامُّ مؤخرًا بقصَّة صاحبة مدارس خاصَّة، ومالكة جامعة خاصَّة، تقدَّمتْ ببلاغ عن سرقة خزانة منزلها ومحتوياتها كالآتي: (50) مليون جِنيه مصري، و(3) ملايين دولار أميركي، و(600) ألف جنيه إسترليني، و(15) كيلو ذهب، الأمْر الَّذي أثار حالة من اللَّغط حَوْلَ ملف التَّعليم الخاصِّ المدرسي والجامعي في مصر، بعدما اتَّجه كثير من الأُسر المصريَّة، للتَّعليم الخاصِّ؛ بسبب تدنِّي مستوى التَّعليم الحكومي أو رغبة مِنْهم في حصول أبنائهم على مستوى تعليمي راقٍ، أو بسبب التكدُّس في المدارس الحكوميَّة، واضطرار وليّ الأمْر لإلحاق ابنه بمدرسة خاصَّة حتَّى يجدَ مقعدا يجلس عَلَيْه. أمَّا عن الجامعات الخاصَّة ـ حدِّث ولا حرج ـ فهناك (24) جامعة خاصَّة في مصر تستوعب (10%) من طلبة الجامعات، للأسف في مُعْظم الأحوال مالكوها ليس لهم علاقة بالتَّعليم، ويتخذونها «سبوبة» لِجَنيِ الأرباح دُونَ النَّظر لجودة التَّعليم، أو حصول الطلاب على خدمة تعليميَّة متميزة، من كوادر جامعيَّة، وخامات ومعامل ومستشفيات جامعيَّة، كما هناك تكدُّس وتكرار في تخصُّصات لا يحتاجها سُوق العمل، ونقص في المخرجات القادرة على المنافسة والابتكار.
محمد عبد الصادق
كاتب صحفي مصري