الأربعاء 28 مايو 2025 م - 1 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

الحكومات والتأثير فـي الوعي nالجماهيري بين الولاء واللامبالاة

الحكومات والتأثير فـي الوعي nالجماهيري بين الولاء واللامبالاة
الأحد - 25 مايو 2025 05:42 م

محمد بن سعيد الفطيسي

20

هل تصنع الحكومات الوعي في المواطنين بغير وعي أو بطريقة لا إراديَّة؟! هل تَقُومُ الحكومات بترسيخ المفاهيم السلبيَّة في المواطن من غير دراية؟! وما هي المخاطر النَّاتجة عن ردود الأفعال الجماهيريَّة الَّتي تتشكل نتيجة الأفعال والسلوكيَّات الحكوميَّة أو الرسميَّة حيال القضايا الوطنيَّة؟ المُتتبع للعديد من السلوكيَّات والتصرُّفات الحكوميَّة الإراديَّة والَّتي يُمكِن استخلاصها من السِّياسات والتوَجُّهات والقرارات الحكوميَّة يجد فعلًا أنَّ العديد من الحكومات حَوْلَ العالَم تَقُومُ ببناء مفاهيم ومفردات، بالإضافة إلى معارف وسلوكيَّات مضادَّة يظهرهما المواطن تجاه حكومته، بالإضافة إلى ما يحيط به من متغيِّرات وتحوُّلات ومثيرات مختلفة. بمعنى آخر، إنَّ سُلوك الحكومة وتصرُّفاتها مع المواطنين تجاه قضاياهم الوطنيَّة تنتج معارف وسلوكيَّات رديفة وموازية لدَى المواطن تجاه الحكومة. فعلى سبيل المثال وكأمثلة للتوضيح: لِنتصوَّر أنَّ حكومة ما قامتْ باتِّخاذ قرار إيجابي صبَّ في مصلحة المواطن بشكلٍ مباشر كزيادة الرَّواتب أو دعم السِّلع أو خفض قِيمة بعض الضرائب والرسوم، ألن تصنعَ تلك القرارات ردود أفعال إيجابيَّة لدَى المواطن؟ وعلى غرار ردود الأفعال، ألن تَقُومَ تلك القرارات بترسيخ مفاهيم معيَّنة لدَى الذهنيَّة الجماهيريَّة مثل الاهتمام والدَّعم والمسانَدة. ولكن ماذا سيحدُث للوعي الجماهيري عِندَ حدوث العكس، عِندَ زيادة الرسوم والضرائب من غير اتِّزان، ماذا سيحدُث للوعي الجماهيري لو ارتفعتِ الشَّكاوى والانتقادات على القرارات الحكوميَّة ولم تجدْ لها من الطرف الآخر أيَّ معالجات؟ ماذا سيحدُث في حال ترسّخ في الذهنيَّة الجماهيريَّة مفاهيم مثل الظُّلم وعدم المساواة والتَّفاوت الاجتماعي؟ ماذا سيحدُث لو شاهد المواطن أمثلةً غير طيِّبة من القيادات والمسؤولين وهم يظهرون سلوكيَّات لا تعكس المسؤوليَّة ولا تُظهر الشُّعور بحال المواطن وظروفه المعيشيَّة؟ وقد قُلنا من قَبل إنَّ الحياة الخاصَّة للمسؤول هي الأُخرى واقعة تحت الرَّقابة حتَّى يخرجَ من منصبه، فلا فصل بَيْنَ الحياة الخاصَّة والعامَّة لقيادات الدَّولة والمسؤولين فيها، ماذا لو سمع المواطن من المسؤول مفردات وكلمات ترسّخ في ذهنه مفاهيم اللامبالاة واللامسوؤليَّة والأنانيَّة؟! تماشيًا مع ما تمَّ ذِكْره يُمكِن القول إنَّ مجموعة التصرُّفات والسلوكيَّات والسِّياسات الحكوميَّة لها دَوْر واضح ومباشر في ترسيخ المفاهيم والمفردات الإيجابيَّة أو السلبيَّة لدَى المواطن، لها دَوْر واضح في تعزيز الولاء والانتماء الوطني أو الأنانيَّة وضعف الولاء، لها دَوْر في تعزيز مستويات الرِّضا أو السّخط والامتعاض الجماهيري. وعِندَما نقول مجموعة التصرُّفات والسلوكيَّات والسِّياسات الحكوميَّة فنحن نقصد كُلَّ شيء يصدر من الحكومة، سواء سلوكيَّات أفراد في مستوى قيادي أو حتَّى موظفِين عاديِّين، أو مجموعة السِّياسات والتوَجُّهات والقرارات الَّتي تلامس حياة المواطن بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. وتجدر الإشارة إلى أنَّ أخطر نتائج تلك التبادليَّة بَيْنَ الوعي الجماهيري والوعي الحكومي والَّذي هو الآخر يتشكل من رؤية القيادات إلى العالَم وإلى الدَّاخل الوطني، يتشكَّل من مجموعة المعارف والمرئيَّات الحاضرة في ذهن القيادات تجاه حاضر وطنهم ومستقبله، من أخطر ما يُفرزه من ثقافة هي ثقافة اللامبالاة والشعور بعدم المسؤوليَّة تجاه الوطن وقضاياه والتَّهديدات الَّتي تحيط به. إنَّ واحدة من أهمِّ المخاطر الَّتي ينتجها السُّلوك الرَّسمي تجاه الوعي الجماهيري هي الشُّعور بعدم المسؤوليَّة تجاه الوطن ومقدَّراته وثرواته، شعور اللامبالاة بالتَّهديدات الَّتي يتعرض لها الوطن، فتصنع بذلك مواطنًا فاقدًا للشُّعور بالمسؤوليَّة ضعيف الولاء، ومع الوقت وهو التَّهديد الآخر الَّذي يَجِبُ ألَّا يصلَ إِلَيْه المواطن في وطنه وهو الغربة الوطنيَّة والشُّعور بأنَّه مجرَّد في التعداد السكَّاني، وهي مشاعر كانتِ السَّبب المباشر ـ للأسف الشَّديد ـ لاستماع العديد من المواطنين للأصوات الخارجيَّة الَّتي تترصد كُلَّ ما يُمكِن أن يتسببَ باختراق الأوطان الآمنة المطمئنَّة، والَّتي يقع على رأسها التنظيمات الإرهابيَّة ووكالات الاستخبارات. وكما سبَق وكرَّرنا في مقالات ودراسات سابقة إنَّ «تطوُّر وعي الجماهير وثقافتهم ونظرتهم إلى المحيط الخارجي الجديد، وارتفاع نسبة المتعلمِين بَيْنَهم وتوسُّع ثقافتهم الإلكترونيَّة واطِّلاعهم على ما يحدُث خارج بيئتهم ومحيطهم الدَّاخلي، وقدرتهم على المشاركة والتَّأثير على تلك الأحداث، وتأثرهم بها كذلك سلبًا أو إيجابًا، يفرض بالضرورة الحتميَّة والإلزاميَّة تطوُّر وعي القيادات ومؤسَّسات الدَّولة، وإلَّا تفاقمتِ الخلافات السِّياسيَّة والمشاققات الثقافيَّة واتَّسعتْ هُوَّة التَّجاذبات وسُوء الفَهْمِ وفقدان الثِّقة وارتفاع نسبة الحنق والامتعاض بَيْنَ الطرفيْنِ، فلا يُمكِن بحالٍ من الأحوال أن تبقى نماذج وعي وتفكير وثقافة القيادات والمسؤولين في أيِّ دَولة في القرن الحادي والعشرين على ما هي عَلَيْه بوعي وثقافة وفكر الستينيَّات والسبعينيَّات أو حتَّى القرن العشرون بأكمله». نحن اليوم نعاين ونعايش وعيًا جديدًا وثقافةً جديدة ومتغيِّرات معاصرة جديدة لا يُمكِن أن تستوعبَها العقول القديمة إذا لم تحاول التطوُّر ومُواكبة تلك المتغيِّرات والأحداث الجديدة، إذ يَجِبُ أن تتطورَ تلك العقول والأفكار لِتوازيَ تقدُّم وتطوُّر الوعي التَّاريخي والحضاري للمُجتمع والجماهير بثقافة متقدِّمة ووعي معاصر يستوعب وعي الجماهير في القرن الـ(21). كما إن غلبتِ المكابرة وعناد القيادات والمسؤولين واستمرار تأكيدهم على صلاحيَّة قدراتهم الكلاسيكيَّة والتقليديَّة وَحْدَها، وسيطرتْ مفاهيم الماضي وقدرتها على استيعاب ثقافة الجماهير الجديدة وإمكاناتها على احتواء تطوُّر الوعي الجماهيري الحديث، برغم الانفصال الواضح والبَيِّن بَيْنَ بعض تلك القيادات والشُّعوب الَّتي تُدير شؤون حياتها اليوميَّة وتُخطِّط لمستقبلِها ومستقبل الأجيال القادمة مِنْها، ورفضهم لأشكال التَّغيير والتَّحديث المفروضة لا يُمكِن أن يؤديَ في نهاية المطاف إلَّا إلى الصِّدام وتفاقم الوضع بَيْنَ الطَّرفيْنِ، وهو ما قد يؤدي لاحقًا إلى عواقب أشدَّ وأخطرَ على النِّظام السِّياسي، بل ومستوى الأمن والاستقرار في الدَّولة بأكملها. ختامًا: الحذر كُلَّ الحذر من القدوة السيِّئة والتصرُّفات الفرديَّة للقيادات الحكوميَّة في البيئة الوطنيَّة، من القرارات والسِّياسات الحكوميَّة الَّتي لا تُوازن ما بَيْنَ الاحتياجات الشَّعبيَّة والظُّروف الحكوميَّة، القرارات والسِّياسات العشوائيَّة والتقديريَّة الَّتي لا تأخذ في الحسبان المصالح العامَّة، فما تتركه الحكومة وترسِّخه من مفاهيم ومفردات وصوَر ذهنيَّة كنتاج طبيعي للقرارات والسِّياسات والتوَجُّهات والقدوات الرسميَّة يُشكِّل مجموعة الوعي والتصرُّفات والسلوكيَّات وردود الأفعال الشَّعبيَّة تجاه الحكومة.

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية [email protected] MSHD999 @