الاثنين 26 مايو 2025 م - 28 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

التمويل الذاتي والاستدامة المالية للمنظمات غير الربحية «2»

التمويل الذاتي والاستدامة المالية للمنظمات غير الربحية «2»
السبت - 24 مايو 2025 05:46 م

نجوى عبداللطيف جناحي

10

كنَّا قد نشرنا في الأسبوع الماضي على صفحة الرأي بهذه الجريدة الغراء (الوطن العُمانيَّة) يوم السبت الموافق السابع عشر من شهر مايو 2025 م موضوعا بعنوان: (التَّمويل الذَّاتي والاستدامة الماليَّة للمنظَّمات غير الربحيَّة (1)) وقد أوردنا تعريف معهد المعلومات القانونيَّة التابع لكُليَّة الحقوق بجامعة كورنيل للمنظَّمة غير الربحيَّة بأنَّها: (مجموعة منظَّمة لأغراض أخرى غير تحقيق الربح، والَّتي لا يتمُّ فيها توزيع أي جزء من دخل المؤسَّسة على أعضائها، أو مديريها، أو مسؤوليها)، وبَيَّنَا أنَّ هذا النوع من المنظَّمات غير الربحيَّة معفيَّة من الضرائب. كما بَيَّنَا أنَّها تعتمد على مصادر مختلفة من التَّمويل، لتوفير الأموال اللازمة لتنفيذ مشاريعها، مثل التبرعات، والهبات، ورسوم اشتراك الأعضاء، ورسوم اشتراك الجمهور في أنشطتها، وتعتمد على إيرادات الاستثمارات الَّتي تقوم بها المنظَّمة غير الربحيَّة لأصول أموالها. كما بَيَّنَا أنَّ من أفضل أساليب توفير التَّمويل للمؤسَّسة، التَّمويل الذَّاتي أو الداخلي ويقصد بها هي أموال يُمكِن أن تحصل عَلَيْها المؤسَّسة دُونَ اللجوء إلى الخارج، فهي أموال ناتجة عن استثمار أموال المؤسَّسة جميعًا أو بعضها، سواء كان من رأس مال أو من تراكم مدخراتها المنظَّمة، بهدف تحقيق الاستدامة للمؤسَّسة، وتختلف قدرة المنظَّمة غير الربحيَّة في الاعتماد على هذا المصدر، فعلى الجمعيَّة العموميَّة أن تقرر المجال الَّذي يُدعم بإيرادات استثمارات المنظَّمة: مثل سدِّ كلفة تشغيل المنظَّمة أو سدِّ كلفة تنفيذ برامجها، أو سدِّ كلفة التوسع في مشاريع المنظَّمة كإنشاء دُور رعاية جديدة تابعة لها. وقد ذكرنا ثلاثة أنواع من المنظَّمات غير الربحيَّة الَّتي تموِّل ذاتها بذاتها وهي: منظَّمات غير ربحيَّة تعتمد في تمويلها الذَّاتي على استثمار أصول صناديق وقفيَّة تابعة لها، وشركات أو مصانع غير ربحيَّة تخصص غالبيَّة أرباحها للمشاريع الخيريَّة، وجمعيَّات تنشئ مشاريع تجاريَّة تابعة لها كمشاغل الخياطة والمشاتل وغيرها. والواقع أن هذا النوع من أساليب التَّمويل وهو التَّمويل الذَّاتي يحقق الاستدامة في تمويل المنظَّمة غير الربحيَّة، فهي قادرة على الاعتماد على نفسها في توفير الاحتياجات اللازمة لتشغيلها، وبالتَّالي هي لا تتأثر بالأزمات الماليَّة الَّتي تمرُّ بالمُجتمع، أو بأي نوع من الأزمات، فالمنظَّمات الَّتي تعتمد على جمع التبرعات، وقَبول الهبات، وتقوم بإنفاق جميع هذه الأموال، تتأثر بالأزمات الَّتي تمرُّ بالمُجتمع مثل الأزمات الماليَّة، أو الأزمات الصحيَّة كما مرَّ في مرحلة جائحة(كورونا). وقد وضعت منظَّمة (IFRC) وهي منظَّمة مُشكَّلة من اتحاد من منظَّمات الهلال الأحمر والصليب الأحمر الإغاثيَّة مؤشِّرات يَجِبُ أن تتوافر في المنظَّمة غير الربحيَّة لتحقيق الاستدامة الماليَّة للجمعيَّات الوطنيَّة، وسنصوغ هذه المؤشِّرات في شكل أسئلة تسهل على المنظَّمة غير الربحيَّة قياس هذه المؤشِّرات وهي: ما عدد مصادر الدخل الوارد في الميزانيَّة؟ ما حجم الزيادة في مصادر الدخل في الخمس السنوات الأخيرة؟ ما حجم إجمالي المصروفات مقابل الدخل الفعلي؟ هل تطورت الإيرادات بشكل يتناسب مع تطور النفقات؟ ما حجم الاحتياطي بالمنظَّمة، ما نسبة إيرادات المؤسَّسة الَّتي تحصل عَلَيْها من مصادر ثابتة؟ ما نسبة الإيرادات الواردة من التبرعات غير الثابتة مقابل نسبة الإيرادات السنويَّة الثابتة؟ ما نسبة الإيرادات الثابتة الناتجة عن استثمارات المنظَّمة لأُصولها؟ ما مدى قدرة استثمارات المنظَّمة على سدِّ الاحتياجات التشغيليَّة للمنظَّمة..؟ تلك الأسئلة يَجِبُ أن تطرحها الجمعيَّة العموميَّة على مجلس الإدارة للتحقق من مدى استدامة المنظَّمة غير الربحيَّة. وهي توضع مدى قدرة المنظَّمة على الاعتماد على نفسها في تمويل الجوانب التشغيليَّة، وفي تمويل برامجها وأنشطتها وتطويرها. مما يعطي مؤشِّرا لمدى قدرة المنظَّمة عير الربحيَّة على الاستدامة. وعمومًا فإنَّ اعتماد المنظَّمة غير الربحيَّة على التَّمويل الذَّاتي له مميزات وعيوب، فمن مميزاته، زيادة قدرتها المنظَّمة على الاستقلاليَّة والاعتماد على النَّفْس، كما تعزز من قدرتها على مواجهة المخاطر، وتحقق لها الاستدامة في تنفيذ مشاريعها وتقيها من الانهيار، كما تساعد أصحاب القرار في المنظَّمة غير الربحيَّة على سرعة اتخاذ القرارات المعنيَّة بالمصروفات، وتسهل وضع خطَّة ماليَّة وتحديد حجم العمل. ومن سلبيَّات اعتماد المنظَّمة غير الربحيَّة الكُلِّي على التَّمويل الذَّاتي يؤدي إلى تضييع فرص الاستفادة من الموارد الماليَّة الأخرى، وقد يصاحب إعادة استثمار الأموال من التَّمويل الداخلي فكرة أنَّها بدُونِ تكلفة مما يجعلها تستعمل بشكلٍ غير عقلاني مقارنةً بباقي الموارد، لذا فعلى الجمعيَّة العموميَّة الحذر في اتخاذ القرارات الماليَّة الاستراتيجيَّة. وفي تقديري أنَّ الحل الأمثل هو تنويع المنظَّمات غير الربحيَّة في مصادر دخلها مع الاجتهاد في توفير مدخرات تصلح لِتكُونَ أُصولًا لاستثمارات داخليَّة تحقق الاستدامة للمنظَّمة، بحيثُ تكفي صافي أرباح هذه الاستثمارات الحدّ الأدنى لاستدامة الجمعيَّة على الأقل كتوفير كلفة تشغيل المنظَّمة غير الربحيَّة من توفير الرواتب، وصيانة المباني، والرسوم المطلوبة مِنْها من رسوم الكهرباء والماء وغيرها... ودُمْتُم أبناء قومي سالِمِين.

نجوى عبداللطيف جناحي

كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية

متخصصة في التطوع والوقف الخيري

[email protected] Najwa.janahi@