الاثنين 26 مايو 2025 م - 28 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

عن المخيم الفلسطيني

عن المخيم الفلسطيني
السبت - 24 مايو 2025 05:44 م

علي بدوان

20

باتتْ كلمة مُخيَّم (والمقصود هنا المُخيَّم الفلسطيني)، واحدة من أوسع الكلمات انتشارًا في قواميس اللُّغات الأساسيَّة في العالَم، كما باتتْ كلمة «نكبة» و»انتفاضة» تعجُّ بهما قواميس اللُّغات ومفرداتها. والآن عاد المُخيَّم يتصدر الحدث الأوَّل على أجندة المُجتمع الدولي مع صمود الشَّعب الفلسطيني في مُخيَّمات قِطاع غزَّة في جباليا والنصيرات والمغازي والبريج وخان يونس... ومُخيَّمات الضفَّة الغربيَّة فجنين ونور شمس والفارعة..إلخ، وفي لبنان. وفي سوريا حيثُ ولدتُ ورأيتُ نور الحياة، في مُخيَّم اليرموك عام 1959، في الحارة الأُولى مِنْه، وانطلقتُ في طفولتي وفتوّتي، في حياة المُخيَّم وبَيْنَ أُناسه ومواطنيه، بَيْنَ أزقَّته، وشوارعه، وحاراته، في قلب موزاييكه الملوَّن بخريطة فلسطين ومُدُنها وقُراها، فحفظتُ عن ظهر القلب أسماء المُدُن والقُرى الفلسطينيَّة الَّتي تمَّ تهجير آبائنا مِنْها عام النَّكبة، ومن عموم أبناء اليرموك الَّذين ينتمون لمختلف مناطق فلسطين. عشتُ زخارف الحياة في المُخيَّم، الصور تتزاحم في مخيلتي، واضحة وضوح صور الانستجرام وروعة ألوانها، أجيال من أبناء فلسطين، كبار السِّن وأصحاب «لباس القنباز» الفلسطيني، وبعضهم أصحاب العقال، والبعض الآخر من المَدينيين من أبناء المُدُن أصحاب الطقم الرسمي، ونسوة المُخيَّم من مرتدي الزِّي الفلَّاحي الفلسطيني إلى الزِّي المديني. عشتُ زخارف مُخيَّم اليرموك في الاستماع لأحاديث الرجال من كبار السِّن ومن الشبَّان، وهم يتحدثون عن فلسطين وحياة فلسطين وتفاصليها اليوميَّة، ويوميَّاتها قَبل النَّكبة والخروج عام 1948. عشتُ زخارف وحياة النَّاس المليئة بالأمل، أمل العودة إلى فلسطين، والَّتي كانتْ تنتظر وكُلُّها متفائلة بيوم العودة القريب، حتَّى وإن طال الوقت قليلًا. عشتُ زخارف الحياة في مُخيَّم اليرموك: الإعاشة ومساعدات الوكالة، طحين الأونروا، الخبز الفلسطيني، توزيع البطانيَّات، توزيع الحليب، مطعم الوكالة، مستوصفات الأونروا، والمسيرات، وتشييع الشهداء، الاحتفالات والفعاليَّات الوطنيَّة، ومعسكرات العمل الفدائي، ومعسكر الأشبال (معسكر الشهيد خالد أبو العلا) في مُخيَّم اليرموك، والمحيط السُّوري الشَّقيق والتَّفاعل والاختلاط الكامل معه، والشبَّان السوريين ومن كُلِّ مناطق سوريا والمنضوين بالعمل الفدائي الفلسطيني، شوارع المُخيَّم ومسمَّياتها بأسماء المُدُن والقرى الفلسطينيَّة، ومسمَّيات مدارس الوكالة كذلك. لافتات وصوَر الشُّهداء والملصقات الوطنيَّة. نشأتْ أجيالنا مع ألوان المُخيَّم، مع الكِتابات والرسوم على الجدران، ومِنْها رسوم وكلمات الَّتي ملأت جدران المدارس وسط المُخيَّم، وكلمات: عائدُونَ... سنعود... فلسطين اليوم لا غدًا... يا نسمة في هواء الجليل.... سنخرجهم من إناء الزهور وحبل الغسيل... سنطردهم من هواء الجليل... وكتَب الآخرون على الجدران بتوقيعاتهم، كفصائل وقوى. في ذلك الزَّمن، الزَّمن الجميل، المعطاء الواعد، زمن التفاؤل، ولجتُ تلميذًا إلى مدارس وكالة الأونروا عام 1966، فبدأت تلك المدارس مناهل للعِلم، كما هي مناهل للوطنيَّة، وبناء أجيالٍ ارتفع مستويات التعليم، بَيْنَ تلاميذها وطلابها، إلى درجة باتتِ «الأُمِّيَّة» لا وجود لها بَيْنَ أبناء اليرموك وغيره من مُخيَّمات وتجمُّعات الشَّعب الفلسطيني من اللاجئين. إنَّه المُخيَّم الفلسطيني في جباليا واليرموك وبلاطة وعين الحلوة، إنَّه النَّبع الَّذي لا ينضب لشَعبٍ مكافح، يواصل حياته وصموده وتحصيله العلمي رغم كُلِّ النَّائبات الَّتي سقطتْ على رأسه منذُ عام النَّكبة.

علي بدوان

كاتب فلسطيني

عضو اتحاد الكتاب العرب دمشق ـ اليرموك

[email protected]