الجمعة 23 مايو 2025 م - 25 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

كيف ينفي الحج الفقر؟! «2»

الأربعاء - 21 مايو 2025 05:54 م

توقف بنا الحديث أيها الأحبة عند الأمر النبوي الشريف بالأمر بالحج، كما جاء في حجة الوداع، فطوبى لمن أطاع، وهنا يوسّع الله عليه في رزقه ويبدله أضعاف ما بذله من مال، فضلًا عن أنه تعالى يتقبل منه، ويغفر له ويمحو عنه ذنوبه، ويجعل مثواه جنة عرضها السموات والأرض، فلابد أن يوقن الحاج أن الحج أو العمرة يبعدان عنه الفقر ويزيدان في رزقه، يقول (ابن كثير 6/523):(مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم الله به، وأباحه لكم؛ فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، كما ثبت في الحديث: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْفِقْ يا ابن آدم أُنْفِقْ عَلَيْكَ.. الحديث)، فلا يسمح للشيطان أن يوسوس إليه فيلقي في خاطره أنه يحتاج إلى مزيد من المال والوقت، أو أن هذا المال الذي يملكه لا يقدر أن يصرفه على حجه، فربما أعوز أو يُفقِره، فالوعد النبوي جاءه ليعلمه أن ما يُنفق من مال يصرفه وتعب يبذله لهو مردود إليه بأضعافه، فلن يفقر أبدًا بل سيغنى. وإنّ من ذهاب الفقر الحسي تلك الأسباب التي تفتح له أبواب الرزق أن الحاج عندما يذهب للحج يبر بأهله ويصلهم قبل سفره، وصلة الرحم، كما ثبت في الحديث من أسباب فتح أبواب الرزق، فـ(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ـ يَقُولُ:”مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) (صحيح البخاري 3/ 56)، ومن الأسباب أيضًا الانشغال بعبادة الله وبطاعته، فإذا عزم المسلم على السفر إلى الحج، فله أن يترك وصيته ويوصي أهله بتقوى الله عز وجل ويستسمح أصحابه وجيرانه ومن يعرف من الناس، ويجب على المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع ذنوبه والندم على ما مضى منها والعزيمة على عدم العودة إليها، ويعزم على فعل أوامر الله واجتناب نواهيه، ورد المظالم ويسد ما عليه من الدَّيون، ويتفرغ لعبادة الله تعالى فقط طيلة رحلته، و(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ , تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ، مَلَأتُ صَدْرَكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ”) (الجامع الصحيح للسنن والمسانيد 10/ 365)، أليس الحاج في تفرغ تام لعبادة ربه؟!. ومن الأسباب أيضًا المزيد من الاستغفار والمداومة عليه، ففي (المستدرك على الصحيحين للحاكم 4/ 291) من حديث (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: “مَنْ أَكْثَرَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ”)، وإمّا أن يكون فقره فقرًا حُكْميًا بأن افتقر إلى المال بقلة ذات يده لما صرفه من أموال على مؤنة الحج ويتحقق له ذلك بأن يبارك الله تعالى له فيما كتب له من رزق، ويهيئ له الأسباب التي يزيد بها رزقه، تعويضًا له عما صرفه من أموال إزاء حجه، وإما أن يكون على درجة من الغنى لا تفقره إلى شيء أو تعوزه إلى مال بعد أدائه الحج، وهنا يرزقه الله تعالى الغنى المعنوي وذلك كغِنى النّفس فيريح نفسه عن النظر في أمتعة الدنيا ويرضى بما قسم الله له، ويحقق له في قلبه القناعة التي تملأ عينيه فلا ينظر بعد حجه لا إلى فقر ولا إلى غنى، وهذ القناعة التي يتعجب لها الناس فيرون الغني الحاج يعيش عيشة بسيطة سهلة لا تعقيد فيها ولا مفاخرة، يرضى منها القليل فتراه ظّاهر هيئته يعيش عيشة الفقراء البسطاء.

محمود عدلي الشريف

[email protected]