منذُ عُقود تخلَّى النِّظام الرَّسمي العربي عن أدوات القوَّة العربيَّة الجماعيَّة، إلَّا أنَّ المشهد العربي اليوم يمرُّ بأسوأ حالاته في ظلِّ عجزٍ عربي رسمي وصلَ في بعض صوَره إلى تخلٍّ متعمَّد عن نصرة الأشقاء في فلسطين بعد عدوان وكارثة إنسانيَّة لم يسبقْ لها مثيل قدَّم فيها حتَّى الآن أكثر من (53) ألفَ شهيدٍ وأكثر من (10) آلاف مفقود وأكثر من (120) ألفَ مُصابٍ في عدوان بربري فاقَ كُلَّ الحدود ومجاعة شديدة في قِطاع غزَّة، كُلُّ ذلك يحدُث أمام وسائل الإعلام وبعض العرب ما زال يُلقي اللَّوْم على المقاوَمة الَّتي آمنتْ بالقضيَّة وقدَّمتْ كُلَّ هذه التَّضحيات في سبيل التَّحرير، ويأتي مَن يصف المشهد بشكلِه المادِّي غير مُدرك عُمق الحقيقة والقضيَّة، فلله الأمْر من قَبل ومن بَعد . النِّظام الرَّسمي العربي ـ للأسف ـ لم يقدِّم ما يشفع له تجاه الأشقاء في فلسطين مقابل العدوان الصهيوني الَّذي تجاوز كُلَّ الحدود باستهداف الأطفال والأبرياء من المَدَنيِّين متعمِّدًا؛ بهدف الضَّغط على المقاوَمة لتقديمِ تنازلات، ومع ذلك لم نجدْ أيَّ موقف عربي رسمي وازن يبرئ الذِّمَّة. وللأسف هناك مَن يقول ليس بِيَدِ العرب مجابهة «إسرائيل» ومَن يقف خلْفَها، وهذه المقولة تُمثِّل حالة من حالات من الخذلان لا يُمكِن قَبولها؛ باعتبار أنَّ النِّظام العربي مسؤول عن شعوب هذه الأُمَّة، ومِنْهم أولئك الأبرياء في قِطاع غزَّة وفلسطين عمومًا ممَّا يتطلب موقفًا عربيًّا فاعلًا من خلال الأوراق المتاحة لدَى الجانب العربي. لا نستطيع إلقاء اللَّوم على قمَّة بغداد، فجامعة الدوَل العربيَّة تُعَبِّر عن الواقع العربي المأزوم، والخطر هنا لن يقفَ على حدود فلسطين وهو ما يتجسَّد أيضًا في طبيعة العلاقة مع القوى العالَميَّة، فالعناوين كانتْ فاضحةً، وهذه العناوين قد تتوغل في مفهوم السِّيادة والدَّولة الوطنيَّة بشكلٍ أوسع مستقبلًا. كما أنَّ الكيان الغاصب الَّذي يعبث اليوم في مساحات عربيَّة جديدة لن يوفِّرَ حتَّى مَن يَصِفهم اليوم بالأصدقاء العرب، لذلك إن لم يستثمرِ العرب أدوات القوَّة لفرضِ موقفٍ وازنٍ وممكنٍ في هذه المرحلة لن يتمكَّنَ النِّظام العربي من الدِّفاع لاحقًا عن مفهوم الدَّولة الوطنيَّة.
خميس بن عبيد القطيطي