الثلاثاء 20 مايو 2025 م - 22 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

الصديق الصدوق: الذكاء الاصطناعي

الصديق الصدوق: الذكاء الاصطناعي
الأحد - 18 مايو 2025 01:45 م

المنتصر بن زهران الرقيشي

60

في الخامس عشر من مايو الجاري، قرأتُ مقالةً للكاتبة إيما بروكس نُشرت في صحيفة «ذا جارديان» بعنوان: هل تثق بمارك زوكربيرج لحلِّ وحدتك عَبْرَ «صديق ذكاء اصطناعي»؟ وقد حذَّرتِ الكاتبة من توَجُّه مارك زوكربيرج لتسويق الذَّكاء الاصطناعي كبديلٍ عن العلاقات الإنسانيَّة؛ باعتباره حلًّا لأزمة الوحدة العالَميَّة المتفاقمة.

لِنبدأ هذه السُّطور بالتَّعريف المُبسَّط لشخص مارك زوكربيرج، فهو مؤسِّس ورئيس شركة فيسبوك، واحدة من أكبر شبكات التَّواصُل الاجتماعي في العالَم ويُعرف زوكربيرج بتوجُّهه للابتكار، وقد واجَهَ العديد من التَّحدِّيات المتعلِّقة بالخصوصيَّة وتأثير التكنولوجيا على المُجتمع.

في الواقع المعُاش، تُعَدُّ المقالة مرآة تعكس واقعًا مقلقًا نكاد نصل إِلَيْه، فنحن لا نواجِه فقط تكنولوجيا متطوِّرة، بل توَجُّهًا متعمدًا لاستبدال العلاقات الإنسانيَّة بعلاقات «مصطنعة» مع ما يُسمَّى بـ»الأصدقاء الذَّكيِّين»، ومارك زوكربيرج، من خلال تصريحاته الأخيرة، لا يروِّج لتطبيقات متقدِّمة، بل يُقدِّم تصوُّرًا جديدًا للعلاقات الاجتماعيَّة، حيثُ يزعم أنَّ الذَّكاء الاصطناعي يُمكِن أن يعوِّضَ نقصَ الصَّداقة البَشَريَّة، بل وقد يُصبح بديلًا أفضل لها.

المفارقة المؤلمة أنَّ هذا التَّوَجُّه ليس مجرَّد افتراض، فقَدْ بدأ عددٌ غير بسيط من النَّاس بتبادل تجاربهم اليوميَّة مع دردشات الذَّكاء الاصطناعي، ومِنْهم مَن يؤكِّد أنَّها تجربة تروح فيها عن نَفْسه وتُقلِّل من وحدته.. والسُّؤال الَّذي يطرح نَفْسَه: هل يُمكِن لعلاقةٍ مع آلةٍ، تفتقر للوعي، أن تُعادلَ العلاقة مع كائن حيٍّ يمتلك ذاكرةً، ووجدانًا، وخبرة؟

في عام 2013، أُدرج مصطلح «Facebook Depression» (اكتئاب الفيس بوك) ضِمْن الأدبيَّات النَّفْسيَّة، لوصفِ الضُّغوط النَّفْسيَّة الَّتي تعتري المستخدمين نتيجة المقارنات المستمرَّة مع الآخرين على منصَّات التَّواصُل الاجتماعي، بَيْنَما أكَّدتِ الدِّراسات أنَّ الاستخدام المُفرط للتقنيَّات الرَّقميَّة يرتبط بزيادة معدَّلات العُزلة والانتحار بَيْنَ الشَّباب، لا سِيَّما أولئك الَّذين يفتقرون إلى دعم اجتماعي مباشر. في العمق، ما يطرحه زوكربيرج هو محاولة لإعادة تعريف مفاهيم أساسيَّة مِثل: «الإنسان»، «المعرفة»، «الصَّداقة»، و»العلاقة»، بما يتماشى مع المنتجات الرَّقميَّة. فهو لا يقول فقط: سنساعدك في التَّفاعل مع الذَّكاء الاصطناعي، بل يُقدِّم وعدًا بإيجادِ علاقات تُشبه الإنسانيَّة بما يكفي لِتجعلَك تَنسى الحاجة إلى البَشَر.

لكنَّ الحقيقةَ الَّتي لا يُمكِن تجاهلها هي أنَّ الصَّداقة ليسَتْ مجرَّد تبادُل الحديث، بل هي المشاركة في الألَم، والقلق، والأمل. وهي أيضًا مصدر للنُّمو الشَّخصي، إذ تُعرِّفنا على الآخرين وتفتحُ لنَا أبوابًا لم نكُنْ سنطرقها وَحْدَنا، ويحضرني هنا بيت البارودي:

ليس الصَّديق الَّذي تعلو مناسبه.. بل الصَّديق الَّذي تزكو شمائله

إن رابك الدهر لم تفشلْ عزائمه.. أو نابك الهم لم تفترْ وسائله

وهنا أقولها نصيحةً لكُلِّ مَن يقرأ هذه المقالة: يَجِبُ أن يُستخدمَ الذَّكاء الاصطناعي كأداةٍ داعمة للعلاقات الإنسانيَّة، لا كبديلٍ عَنْها. وإذا كانتْ هناك حاجة للحديثِ عن صداقة رقميَّة، فلتكُنْ بمثابة امتداد للمعرفة الإنسانيَّة، وإذا كانتِ التكنولوجيا قَدْ أبدعتْ في قراءة بياناتنا، فهي لا تزال تعجز عن فَهْم كيف «تربتُ على الكتف»، أو «تسأل عن غيابك»، أو «تضحك دُونَ سببٍ معك». الذَّكاء الاصطناعي قَدْ يكتُب القصائد، لكنَّه لا يستطيع أن يقعَ في الحُب. قد يُحلِّل الكلمات، لكنَّه لا يعرف معنى الاشتياق. وكما قال الشَّاعر: إذا صحبوا كان الإخاء غنيمة.. وإن غابوا كان الفؤاد يذوبُ.

فَلْنحذَرْ أن نُبرمجَ قلوبنا، فنفقدَ إنسانيَّتنا.

المنتصر بن زهران الرقيشي

كاتب عماني ــ الاتصالات الدوليَّة والعلوم السياســـــية

مدرب متعاون في تنميَّة مهارات المدربين (TOT)

@mumtaserzr